لماذا شرع الله التعدد؟
24 يوليو، 2022
1804
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]
التعدد شريعة السعادة
إن الشريعة الإسلامية بعظمتها المطلقة وكمالها الواضح جاءت لتعالج الأسباب الاجتماعية بتشريعات تضمن السعادة وتؤسس للعفاف والخير والريادة ومن ذلك قوله تبارك وتعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فيبصرنا الله تعالى بحق المجتمع النسوي في نشر التعدد.
فهو شريعة السعادة الاجتماعية عندما يتم الالتزام فيه بالشرع، فينتشر التراحم والتكامل الاجتماعي، وتعدد الزوجات هو الحل الـمثالي الأول للواقع البشري الاجتماعي، ومعالجة الأنانية في النفوس البشرية، ويحقق حق النساء في إيجاد البديل عن العبث بالنساء ضمن تجارة البغاء والعلاقات المؤقتة.
فلماذا يصر البعض على تدمير حقوق المرأة الواجبة على الرجل بمبدأ الخليلات (والجيرل فرند) الذي لا يعني إلا العبث بكرامة المرأة، وعدم تحمل مسؤولية الزواج، والقيام على الأسرة.
ونلحظ من الآية أن تعدد الزوجات جاء ليتلاءم مع الطبيعة البشرية {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وليكون هذا التشريع تهذيبًا للشرائع السماوية السابقة لأنها كانت تبيح التعدد مطلقًا، وكذلك ضبطًا للأهواء البشرية القديمة التي كانت تبيح لنفسها التعدد مطلقًا؛ وكذلك منعًا للأهواء البشرية اللاحقة التي تبيح تعدد الخليلات مطلقًا، فالله سبحانه وتعالى أنعم على البشرية بهذا الإنعام العظيم، وللأسف فإن مصيبتنا في عدم معرفة بعض المسلمين والمسلمات لهذه الفوائد أكثر من مصيبتنا في جهل غيرنا بديننا، فبعض المسلمين لا يدركون سره ولا عظمته ولا يباهون به ولا يُعَلِّمون الحيارى بالمحاسن التشريعية المذهلة التي تكتنزها التوجيهات القرآنية، والشريعة الإسلامية، وحتى نتبين هذا الموضوع كما ينبغي يجب أن نقرر أن أنبياء الكتاب المقدس من أكثر الناس تعددًا إلى حدٍّ يصعب تصديقه، ففي كتاب الـملوك الأول عن سليمان عليه السلام:
11: 3: وكانت له سبع مائة من النساء السيدات وثلاث مائة من السراري.
ونحن لا نعلم مدى صحة هذه الرواية لكننا نعلم أن التعدد المنضبط بأربع يحصلن على حقوقهن خيرٌ للمجتمع من أن تلاقي المرأة في كل فترةٍ واحدًا يعبث بها ثم يرميها عندما يقضي غرضه منها، ثم لا تجد أحدًا بعد أن تتجاوز السن المرغوب فيها.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا كثرة زوجات سليمان عليه السلام ولكن ليس على وفق الوصف الذي جاء عند اليهود، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ 3 لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِئَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ – كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ» [1].
وتجد أن يعقوب عليه السلام ذُكِرَ له في الكتاب المقدس أربع زوجات، وذكر لإبراهيم عليه السلام ثلاث زوجات، وأما داود عليه السلام فمائة زوجة، وفي سفر التثنية 21: 15 «إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة..» فذكر أحكامًا تتعلق بالتعدد.
حتى في العهد الجديد الذي هو الإنجيل لا يوجد ما يدل على الاكتفاء بزوجة واحدة، بل جاء في إنجيل متى 5:
17 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الكُلُّ. 19 فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السماوات.
بل إنك تجد ظاهر عبارة عيسى عليه السلام في الإنجيل تدل على جواز التعدد المطلق، ففي إنجيل متى25:
1 حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى، أخذن مصابيحهن، وخرجن للقاء العريس2 وكان خمس منهن حكيمات، وخمس جاهلات 3 أما الجاهلات: فأخذن مصابيحهن، ولم يأخذن معهن زيتا 4 وأما الحكيمات: فأخذن زيتا في آنيتهن مع مصابيحهن. 5 وفيما أبطأ العريس، نعسن جميعهن، ونمن. 6 ففي نصف الليل صار صراخ: هو ذا العريس مقبل، فاخرجن للقائه. 7 فقامت جميع أولئك العذارى، وأصلحن مصابيحهن 8 فقالت الجاهلات للحكيمات: أعطيننا من زيتكن، فإن مصابيحنا تنطفئ. 9 فأجابت الحكيمات قائلات: لعله لا يكفي لنا، ولكن بل اذهبن إلى الباعة، وابتعن لكن. 10 وفيما هن ذاهبات ليبتعن، جاء العريس، والـمستعدات دخلن معه إلى العرس، وأغلق الباب 11 أخيرًا جاءت بقية العذارى أيضًا قائلات: يا سيد، يا سيد، افتح لنا. 12 فأجاب وقال: الحق أقول لكن: إني ما أعرفكن.
وكذلك فعل البشر في تشريعاتهم لأنفسهم في الحضارات القديمة العربية والفارسية والرومية والشرقية، فالتعدد أمر معتاد في الحضارات البشرية، فجاءت الشريعة الخاتمة لمداواة جراحاتها وانتكاساتها وكآباتها تميزت بأنها شرعت التعدد وقيدت التعدد بأربع فقط وبينت شروطه، وحفته بعدد من الضوابط التي تجعله من أعظم النعم لو سلم النساء وسلم الرجال، لو تخلى النساء عن أنانيتهن وأن تبلغ الغيرة حدًّا لا يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولو قام الرجال بما ينبغي لهن، عند ذلك سيكون التعدد من أعظم النعم على البشرية، ولذلك روى ابن عمر: أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعًا منهن [2]، وقال وهب الأسدي: (أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم): «اختر منهن أربعًا» [3].
ومعلوم أن الكنيسة لم تمنع الزواج على قِسِّسيها إلا في وقتٍ متأخرٍ عن بعثة المسيح عليه السلام، وهي بدعةٌ غليظة مدمرة للحياة البشرية ابتدعوها مع أنها تنافي الفطرة البشرية، وتورث الفضائح التي لا تنتهي في الوسائل الإعلامية على أعلى مستويات الرتب الكنسية. أفما آن للكنيسة أن تراجع نفسها في هذه البدعة الغريبة التي أحدثتها، وسبب لها أكبر الفضائح الجنسية في العالم؟
ولمن يسأل عن حكمة تعدد الزوجات، نقول له: يكفي أن تعلم أن تعدد الزوجات هو الحل المثالي الأول للواقع البشري الأسري، كما أنه يمثل الحل المثالي للمشاكل الاجتماعية حال الانضباط بحدود الشرع:
فأما أولًا: فهو حلٌّ لإيجاد السكينة الحقيقية بين الرجال والنساء، فإن الرجل لا يسكن إلا بجوار امرأة، ويجب عليه أن يقوم بمسؤوليتها لا بالتمتع بها، والعبث بشبابها.
وأما ثانيًا: فهو الحل المثالي للإشراف على اليتامى ضمن جو أسري، فقد تكون أم اليتامى هي الزوجة الأخرى، وقد تكون إحدى الزوجات أشد الناس عونًا على تمكين الجو العائلي في حياة اليتيم.
وأما ثالثًا: فلحل مشكلة الكثرة النسائية أمام الرجال لا من الناحية العددية كما في غالب المجتمعات إما لطبيعة التناسل، وإما للحروب التي تعصف بالأرض، بل لوجود المطلقات والأرامل، ووجود هؤلاء النساء خارج إطار الزواج يعني أحد أمور أربعة:
۞ تعريض بقية النساء للضياع.
۞ أو إشاعة الخداع بالسفاح والزنا بجلب الخليل والخليلة في الحرام والظلام، ووفق قوانين الجاهلية المعاصرة المسماة بالأعراف الدولية في الشوارع والدروب والآكام، وعدم الالتزام بمسؤولية الزواج.
۞ أو إشاعة الطلاق بغير مبرر ليطلق المرء الأولى فيتزوج الثانية.
۞ أو إشاعة الجريمة والإفساد في الأرض؛ فإنك تسمع عن جرائم تخلص الأزواج من زوجاتهم أو خيانتهم لهن.
وأمام ذلك يأتي الحل الآمن وهو التعدد الذي يعني الالتزام بالتبعات الأسرية.
وأما رابعًا: فلأن التعدد وسيلةٌ لبث الحياة الإنسانية، وهو مقصدٌ تسعى إليه معظم المجتمعات إلا في بعض البلدان المسلمة التي اختُـرِعَ لها أو اخترعت شيئًا سمته: القنبلة السكانية أو الانفجار السكاني.. ألا ترى أن دول العالم الأول تقدم إعانات بحسب عدد الأولاد وتشجع على ذلك، وإسرائيل تشجع على ذلك على سبيل المثال. وهل التكاثر السكاني إلا نعمة عظيمة لو وجد من يدير الوجود البشري إدارة حقيقية؛ إذ يحتوي على أثمن الطاقات وأعظم الثروات؟ وهذا المقصد أحد المقاصد الإسلامية الأصيلة في المجال الاجتماعي تكثيرًا للثروة البشرية، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: «تزوجوا الودود الولود؛ إني مكاثرٌ الأنبياء يوم القيامة» [4].
وأما خامسًا: فلأنه الإجابة الفطرية للطبيعة البشرية، فقد خلق الله تعالى الرجل لتمتد فترة خصوبته إلى ما بعد السبعين، والمرأة لا تكاد تجاوز الخمسين، والتعدد لا يختلف فيه بنو الإنسان مهما كان مالهم أو موقعهم.. ألا يكفي أيضًا أن يشكل حماية ضخمة من التحرش بالأطفال والنساء في كثيرٍ من الأماكن.. أما يسمع الذين يضعون العقبات أمام الزواج عن الكم الهائل من الفضائح التي تعترف فيها الكنائس الكاثوليكية في العالم مما يتعلق بالتحرش بالأطفال، وآخر ذلك الخبر الذي نشرته الأسقفية الكاثوليكية لمنطقة بروكلين في مدينة نيويورك حيث نشرت لائحة لأسماء أكثر من 100راهب تحرشوا بالأطفال جنسيًا في كنائس المدينة، وفي آب2018م كشف تقرير تعرض أكثر من ألف طفل في كنائس البلاد للتحرش من قبل رهبان تم التستر على جرائمهم، بل أعلن البابا فرانسيس تجريد أرفع مسؤول بالفاتيكان كبير أساقفة واشنطن السابق (ثيودور ماريك) من صفته الكنسية بعد إدانته بارتكاب اعتداءات جنسية.
وأما سادسًا: فالتعدد هو الحل أمام المشاكل الاجتماعية والصحية التي تجتاح العالم، فقد قُدِّرَ عَدَدُ المعددين من الأمريكيين إلى قبل عام2000م بنحو خمسين ألفًا، والفساد والانحلال الأخلاقي الذي نشأ من كثرة الزنا يعني ضرورة التعدد، وفي مجلة التايم البريطانية عدد ديسمبر 1998م، ذكر أن هناك «12» مليون طفل غير شرعي، و«17» مليون شاذ جنسيا في أمريكا، وكل أسرة من 10 أسر أمريكية تمارس زنا المحارم، وازداد الأمر حتى أصبح أسرة من كل 5 أسر، ويوجد 15 مليون شخص مصاب بالأمراض التناسلية في أمريكا، ومن الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الأمراض الاتصال الجنسي خارج نطاق العلاقة الزوجية، علمًا بأن من يصاب بالإيدز وحده يوميًّا -حسب تقرير منظمة الصحة العالمية- نحو 700 شخصًا.
وذكر محمد رشيد رضا أن إِحْدَاهُنَّ كتبت فِي جَرِيدَةِ (لندن ثروت) مُسْتَحْسِنَةً رَأْيَ العَالِمِ (تومس) فِي أَنَّهُ لَا عِلَاجَ لِتَقْلِيلِ البَنَاتِ الشَّارِدَاتِ إِلَّا تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ، فَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ مُبَاحًا لَمَا حَاقَ بِأُولَئِكَ الأَوْلَادِ وَبِأُمَّهَاتِهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الهُونِ، وَلَسَلِمَ عِرْضُهُنَّ، وَعِرْضُ أَوْلَادِهِنَّ، فَإِنَّ مُزَاحَمَةَ المَرْأَةِ لِلرَّجُلِ سَتُحِلُّ بِنَا الدَّمَارَ، أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ حَالَ خِلْقَتِهَا تُنَادِي بِأَنَّ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ، وَعَلَيْهِ مَا لَيْسَ عَلَيْهَا، وَبِإِبَاحَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ تُصْبِحُ كُلُّ امْرَأَةٍ رَبَّةَ بَيْتٍ، وَأُمَّ أَوْلَادٍ شَرْعِيِّينَ»، وَنَشَرَتِ الكَاتِبَةُ الشَّهِيرَةُ (مِسْ أَنِي رُودْ) مَقَالَةً مُفِيدَةً فِي جَرِيدَةِ (الاسترن ميل) فِي العَدَدِ الصَّادِرِ مِنْهَا فِي 10 مِنْ مَايُو (أَيَارَ) سَنَةَ 1901م نَقْتَطِفُ مِنْهَا مَا يَأْتِي لِتَأْيِيدِ مَا تَقَدَّمَ: « أَلَا لَيْتَ بِلَادَنَا كَبِلَادِ المُسْلِمِينَ فِيهَا الحِشْمَةُ، وَالعَفَافُ، وَالطَّهَارَةُ رِدْءٌ، الخَادِمَةُ وَالرَّقِيقُ يَتَنَعَّمَانِ بِأَرْغَدِ عَيْشٍ، وَيُعَامَلَانِ كَمَا يُعَامَلُ أَوْلَادُ البَيْتِ، وَلَا تُمَسُّ الأَعْرَاضُ بِسُوءٍ. نَعَمْ إِنَّهُ لَعَارٌ عَلَى بِلَادِ الإِنْكِلِيزِ أَنْ تَجْعَلَ بَنَاتِهَا مَثَلًا لِلرَّذَائِلِ بِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ، فَمَا بَالُنَا لَا نَسْعَى وَرَاءَ مَا يَجْعَلُ البِنْتَ تَعْمَلُ بِمَا يُوَافِقُ فِطْرَتَهَا الطَّبِيعِيَّةَ مِنَ القِيَامِ فِي البَيْتِ، وَتَرْكِ أَعْمَالِ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ سَلَامَةً لِشَرَفِهَا « [5].
وفي الوقت الحاضر ترى التشريع الشيطاني لا يعاقب على اتخاذ الخليلات في كثيرٍ من دول العالم إلا أنه يعاقب على تعدد الزوجات، فهل يوجد ظلم وإجرام وتلاعب بالمرأة أشد من ذلك؟ ما معنى أن تكون خليلة له يستمتع بها ما شاء حتى إذا كبر سنها ورق عظمها وذهبت قوتها ونضارتها يرميها ولا تجد من يسأل عنها؟
وقد نجحت طائفة المورمون الأميركية في الحصول على إذنٍ قضائي فيدرالي بالعيش المشترك لأكثر من زوجة في عام2013م، وتم إنشاء منظمات لتعدد الزوجات في الولايات المتحدة منها منظمة تعدد الزوجات الإنجيلية المسيحية ولها موقعها على الإنترنت، فهي إحدى الجمعيات النشطة التي استطاعت أن تفرض وجودها داخل المحاكم، وفي الإعلام الأمريكي، ويقول مارك هينكل، مؤسس المنظمة: «إن الحق بتعدد الزوجات هو المعركة التالية للحقوق المدنية داخل المجتمع الأمريكي».
وكانت ثقافة التعدد شائعة بين المسلمين قبل أن تأتي التأثيرات الرديئة التي صحبت ما يسمى زورًا عصر النهضة، ولم تقابل ثقافة التعدد إلا بنوع من الغيرة المحمودة المنضبطة، وإذا كان الرجال يظهر اختبارهم في التسليم لحكم الله تعالى بالصدقة في المال أو بذل الجهد في القربات مثل الإيثار ونحوه فإن النساء يُختبرن في التسليم لحكم الله تعالى بقبول هذا الحكم الشرعي الواضح، وهنا تعلم سرًا من أسرار اجتماع آية التعدد في أول هذه السورة مع قوله تعالى في وسطها: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وأصبح تناول هذا الموضوع في بعض الأوساط الاجتماعية مثيرًا للمشاكل بدلًا من أن يكون هو حلًا لها، والغيرة مطلوبة وبها تكون الأنثى أنثى، ولكن الغيرة التي تؤدي إلى الاعتراض على حكم الله تعالى، والأنانية المفرطة في حق بقية النساء أمرٌ له حسابه وعواقبه، والله تعالى يقول مقابل الثقافة الوافدة التلفزيونية في ختام هذه السورة {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [النساء: 176]
[1] صحيح البخاري – ترقيم فتح الباري (4 / 27) برقم 3424 .
[2] سنن الترمذي (3 / 435) برقم(1128)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (1883).
[3] سنن أبي داود (1 / 680) برقم (2241)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل برقم(1885).
[4] أحمد (3/158) برقم (12613) وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد قوي، وصححه الألباني في الإرواء برقم (1784) .
[5] تفسير المنار (4/ 295).