علم الله سبحانه وتعالى الإنسان أكمل لفظ وأدق معنى عندما يثني على ربه الكريم الرحيم، وقد قال علماؤنا أن الإنسان إذا حلف أن يثني على الله بأعظم ثناء فلا يبر في يمينه حتى يقول (الحمد لله رب العالمين)، فما سر هذه الصيغة التي اختارها الله على لسان عباده وافتتح بها كتابه؟

إن الحمدلة بصيغتها التي في الفاتحة تقتضي ثلاث مقتضيات:

المقتضى الأول: (الفضل): فهي تدل على فضل الله على العالَم، فقد تفضل الله فخلق العالَـم، وكرَّم بني آدم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء: 70]، ثم تفضل فما أراد بخلق الكون إلا الخير له، فلم يخلق العالمين عبثًا، ولا تركهم سدى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27].

المقتضى الثاني: إقرار الحامد بأن المحمود هو الإله الحق الذي له صفات العظمة، كالمشيئة والإرادة والرحمة والكرم، فالحمدلة إقرارٌ بالألوهية، وإقرارٌ باستحقاق المحمودِ صفات الجلال والإكرام، واعترافٌ له بالفضل والإنعام، وحديث جواب الله لعبده عند قراءته (الفاتحة) على ثلاث مراتب في تعظيم الله تعالى: الحمد، والثناء، والتمجيد.

فالحمد يؤدي إلى المرتبة الثانية في القرب من الله تعالى، وهي مرتبة الثناء بقول العبد {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والثناء يؤدي إلى المرتبة الثالثة وهي التمجيد بقول العبد {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سورة الفاتحة تحتوي على هذه المراتب الثلاث حيث قال: ((فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مجدني عبدي)).

المقتضى الثالث: الطمأنينة والراحة والسكينة؛ فإنها إحدى الوسائل العظيمة المريحة للنفس عند تكرارها لتعبر عن شكر العبد لربه حيث يردد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} في كل مقامٍ، فهو يشعر بترديده (الحمد لله) أن الله هو مصدر المحامد والمحاسن كافة صاحب الصفات العليا والكمالات المثلى، كما قيل:

لـك الحـمـد والأحــلامُ ضـاحكــةُ الثـغـرِ * * * لـك الـحـمــد والأيــامُ دامـيــةُ الظُــفـــرِ
لك الحمد والأفراح ترقـصُ في دمي * * * لك الحمد والأتراح تعصف في صدري

ولله ما قاله بعض المتعبدين في الشعور بجمال حمد الحامدين:

ربِّ لك الحمدُ لا أُحصي الجميلَ إذا * * * نفثــــتُ يـومًا شَـاةَ القـلب في كُـرَبِ!
فـلا تُؤاخِـذ إذا زلَّ اللسانُ، ومـا * * * شـيءٌ سِوى الحمدِ في الضَّـراءِ يَجْمُلُ بي
لـك الحياةُ كمــا تَرضى. بشَـــاشــــتُها * * * فيـما تـُحـِبُّ، وإن باتت عـلى غضبِ
رضيـــتُ في حُبِّــك الأيـامَ جــــائــــرةً * * * فـعـلقَمُ الدَّهـرِ إن أرضـاكَ كالـعَــذِبِ


الكلمات المفتاحية: سورة الفاتحة