كيف يدل القرآن على صدق النبوة المحمدية؟
27 ديسمبر، 2023
364
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82]
كل الأنبياء معجزاتهم من غير جنس رسالاتهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت معجزته من جنس رسالته، وإن من أهم الدلائل القرآنية على صدق النبي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أربعة أوجه:
أحدها: فَصَاحَتُهُ، فلا يمكن أن يصل إلى تلك الفصاحة الآسرة ما قاله امرؤ القَيْسِ إِذَا رَكِبَ، وَالنَّابِغَةُ إِذَا رَهِبَ، وَزُهَيْرٌ إِذَا رَغِبَ.
وَثَانِيهَا: اشْتِمَالُهُ عَلَى الإِخْبَارِ عَنِ الغُيُوبِ الماضية والحاضرة والمستقبَلة.
وثالثها: نظمه المدهش المتوازن الحاوي لعلوم الهداية التربوية والسلوكية والمعرفية حول التعريف بالله، وبالإنسان، وحقيقة الكون، ومصيره.
وَالرابع: سَلَامَتُهُ عَنِ الِاخْتِلَافِ [1]، فمن أعظم ما يستدل به على أنه من عند الله مجموعه لذا قال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82] أي لو كان من بشر لوجدوا فيه اختلافًا باضطراب المعاني الواردة فيه، واختلافًا بين الغيوب التي أخبر بها عن الماضي والحاضر والمستقبل وبين واقع تلك الغيوب، وعن خلجات النفوس ومخبآت الضمائر واختلافًا لما يصف مع واقع قلوبهم وأحوالهم، وهو الذي يصف ما في قلوبهم وصف المطلع عليها، والتقدير امتنع أن يوجد فيه اختلاف من أصله فضلًا عن الاختلاف الكثير، فهو من عند الله، ويلخص الطبري ذلك فيقول: «أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم، يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض» [2]، ولاحظ أن الاختلاف المنفي هنا مطلق فيقيد بالحقيقة العرفية أي اختلاف التناقض لا اختلاف التنوع «لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ القِرَاءَاتِ وَأَلْفَاظِ الأَمْثَالِ وَالدَّلَالَاتِ وَمَقَادِيرِ السُّوَرِ وَالآيَاتِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ اخْتِلَافَ التَّنَاقُضِ وَالتَّفَاوُتِ [3]، فاختلاف التنوع منقبة يُتمدح بوجودها، وليست مثلبة.
#المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء
[1] وانظر: تفسير الرازي (10/ 151).
[2] تفسير الطبري ت شاكر (8/ 567).
[3] تفسير القرطبي (5/ 290).