أخطر أهداف المنافقين
12 فبراير، 2024
371
{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}
ماذا يكشف لنا الفعل (وَدُّوا) من خطورة؟
علم الاجتماع القرآني
يبصرنا القرآن الكريم بأهم صفة كاشفة للمنافقين، وتمثل أخطر أهدافهم: المحبة العارمة لإيقاع الناس في الكفر، ولذا يحرصون على إشاعة الفسق والمعاصي المالية والجسدية بكل الوسائل، فيقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}
لاحظ التعبير عن هذا الهدف الخطير بقوله: ﴿وَدُّوا﴾ ففرق بين أن يكون عند المرء رغبة في أن تكفر وبين أن يود منك أن تكفر، فالمعنى ود هؤلاء المنافقون لو يكفر المؤمنون المستقيمون، فليست مشكلتهم فقط في الكفر فقط؛ إذن لهان الأمر كما قال تعالى ذكره: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، لكن المشكلة أنهم يحرصون على أن يدخلوا المؤمنين في الكفر.
فالود إرادة مقترنة بمحبة، وحرص، وهذه الكلمة تدل على أنهم يضعون برامج عملية لتحويل الناس إلى الكفر عبر القنوات الفضائية، ووسائل الإعلام والتثقيف والتربية، وعبر المرتزقة الذين يحشدونهم، والجيوش العسكرية التي يتحالفون معها، وعبر إحداث الرعب والإصرار على القهر والإكراه ومنع حرية الإنسان في أن يعبد ربه، وتراهم يمارسون ذلك عبر منع كل وسائل الإيمان في المجتمعات.
هؤلاء المنافقون يودون أن يوقعوا العالم في الكفر، وهم في هذا يلتقون مع الكافرين المحاربين الذين يعملون على الهدف ذاته، وقال الله تعالى عنهم: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2].. من الطبيعي أن ترى بينهم التحالفات المختلفة، والمؤسسات المشتركة لنشر الكفر في الأرض.
فأهم أهداف المنافقين التي يعلمون عليها المحبة المتلهفة على تحويل المؤمنين إلى الكفر، وليس مجرد حرص المنافقين على أن تكون لهم السيادة على المؤمنين، بل هم يودون أن يدخلوا المسلمين في الكفر، وذلك يتم من خلال خلخلة الصف المسلم عقديًا وسياسيًا لتحويلهم إلى الكفر، قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}، فليست مشكلتهم في كفرهم ونفاقهم بل في حرصهم على وضع البرامج، وإنشاء المؤسسات؛ لإرجاع المسلمين إلى الكفر، وهذا الهدف ليس هدفًا للعناد فقط، بل هو نابع من محبةٍ قلبية عارمة تجتاح نفوسهم، فيبذلون في ذلك كل ما وسعهم؛ لتحقيق هذا الهدف، ويظهر لي أن التعبير بالود هنا أعلى من التعبير بالإرادة في قوله تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} [النساء: 88] فالود إرادة مقترنة بمحبة وحرص، وهذا يدل على شدة مكر المنافقين، ورغبتهم الجامحة في إدخال الكفر إلى مجتمع المؤمنين [1].
#المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء
[1] خلافًا لما قرره الطاهر r في التحرير والتنوير (5/ 151).