أسرار لا تكشف إلا بالتدبر
27 أغسطس، 2024
172
لماذا قدم الله النفس على المال في قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111]، وفي قوله تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95] قدم المال على النفس؟
والجواب: أن ذلك جرى حسب مقتضيات السياق، فقدم هناك النفس؛ لأَنَّ النَّفْسَ أَشْرَفُ مِنَ المَالِ، فَالمُشْتَرِي وهو الله قَدَّمَ ذِكْرَ النَّفْسِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا أَشَدُّ، ولأن موضع التوبة جاء في سياق الالتحام والمواجهة، وأما هنا فالكلام عن الباذل وهو العبد، فقدم ما يمكن من خلاله أن يشترك فيه الأكثر وهو المال، وأخر ذكر النفس؛ لأن من يبذلها هم الأقل، وأراد الله أن يبين تنوع مجالات الجهاد.
وقدم الله المال على النفس ليبصرك بعدة معانٍ، منها:
أن المال إذا كفى في الحماية والنصرة والدفاع فهو يفدي النفس، فلا تقدم النفس قبل استنفاد المال في وسائل نصرة القضايا العادلة، وهي ذاتها القضايا التي تكون في سبيل الله، وللتبصير بأهمية المال في صناعة القرار وتغيير المواقف، واستمرار الأعمال المختلفة لحماية الحق والحقائق من قوى التزييف الطاغوتية.
ومن معاني التقديم للمال أن المال يمكن أن يبذله الأكثر الأعم من أبناء المجتمع فيدخل فيهم النساء والأطفال بينما النفس قد لا يستطيع بذلها إلا العدد الأقل ممن يبذلون المال حيث لا يكلف بذلك إلا الرجال البالغون الأكفاء ممن تمتع بالقدرة العسكرية اللائقة. تأمل الجمال التعبيري التبصيري القرآني المدهش.
المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء