المقالات

حين تتجلّى عظمة القرآن في العشر الأواخر

د. محمد بن فائد بن همام السعيدي

تجلّى في هذه الليالي المباركات من شهر رمضان، في مدينة مانشستر البريطانية، مشهدٌ من أبهى مشاهد البركة القرآنية، تصدّره بصوته، وعِلمه، ووقاره، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد السلام المجيدي، شيخ المقارئ اليمنية، القارئ المفسّر الواعظ، والعالِم المتفنّن، الجامع بين البيان والبرهان، والقرآن والعمل – فيما نحسبه والله حسيبه.

لقد أمّ فضيلته جموع المصلّين في صلاة القيام خلال هذه الليالي العامرة، فختم بهم كتاب الله تعالى في ست ليالٍ فقط، يقرأ في كل ليلة خمسة أجزاء بترتيل خاشع، وصوت نديّ، وأداء يفيض بالروح والسكينة، حتى بدا للمصلّين خلفه كأنهم على مقربة من زمن السلف الأول، حيث القرآن حيّ يُتلى، والقلب حاضرٌ يتلقّى.

ومع أني لم أتمكن من الحضور المباشر لهذه الليالي المباركة بسبب وجودي في مدينة أخرى، إلا أن الأصداء التي بلغتني، والأجواء التي نُقلت إلي، جعلتني أتمنّى لو كنت حاضرًا، مشاركًا في تلك اللحظات الإيمانية النادرة، التي لا يجود الزمان بمثلها كثيرًا في ديار المسلمين فضلا عن ديار الغرب.

هذه الختمة لم تكن تلاوة فحسب، بل كانت بركةً تهطل على المكان، وهدايةً تسري في الأرواح، ودعوةً إلى السكينة والسلام، وتذكيرًا بعظمة الإسلام، وتثبيتًا للقلوب في زمان الفتن والشتات. إنها رسالة نورٍ وهدايةٍ وتوفيقٍ وسداد، تتنزّل بها السكينة على الجموع، فيرى الناس في حضرة القرآن كأنهم في روضة من رياض الجنة.

وما زاد هذا الحدث جلالًا وتأثيرًا، أن أمثال هذا العمل المبارك لم أسمع به قط طوال أكثر من عشرين عامًا قضيتها في بريطانيا، ولم يبلغني أنّ مثله قد وقع من قبل، في هذا النطاق من الإتقان والجمال والبهاء والجلال، في الجمع بين الختمة السريعة والخشوع العميق، في جوّ مفعم بالسكينة والوقار، فكان حدثًا غير مسبوق في أثره وبركته.

وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدلّ على مكانة الشيخ العلمية والروحية؛ فهو ليس قارئًا فحسب، بل عالِمٌ رَبّاني، ومفسّر قرآني، وخطيبٌ واعظ، ومربٍّ مؤثّر، جمع بين علوم الأداء، وفنون الشرح، وأصول التربية والدعوة. تراه يقرأ فتخشع، ويعظ فتدمع، ويُفسّر فتفهم، ويُعلّم فيُحسن التعليم. إنه نموذجٌ للعالِم العامل، الذي يرفع الله به شأن القرآن وأهله في الأرض.

وإننا – إذ نشيد بهذا الحدث المبارك – فإننا نرجو أن تتكرّر هذه البركة في الأعوام القادمة، وأن تتّسع رقعتها، لا سيّما في الأعوام المقبلة التي يقترن فيها رمضان بشتاءٍ طويلٍ يمتد ليله وتزداد فيه الحاجة إلى هذه المحاريب النورانية. كما نأمل أن تنتقل هذه التجربة المضيئة إلى مدن كبرى مثل برمنجهام أو لندن، ليعمّ النفع، وتنتقل الأنوار، وتُكتب – بإذن الله – سطورٌ من العمل الصالح في صحيفة الشيخ، وفي سجلّ من ساند وساهم ونشر وبلّغ.

نسأل الله تعالى أن يحفظ فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد السلام المجيدي، ويبارك في عمره وعِلمه وسعيه وعطائه، وأن يجعله دائمًا مباركًا حيث كان، نافعًا للناس حيث حلّ. كما نسأله سبحانه أن يحفظ اليمن وأهله، ويجعل له من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وأن ينشر بركة القرآن في أرض بريطانيا، ويجعلها مأوىً لأهله، ومحضنًا لأصواته، ومنبرًا لدعاته.

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وبارك فيمن قرأه وعلّمه وتدبّره، واجعل قراءاته بركةً ورحمةً وهدايةً وسلامًا وتوفيقًا وسدادًا، واحفظ به اليمن، وانشر نوره في بريطانيا وسائر بلاد العالم.

كتبه: د. محمد بن فائد بن همام السعيدي

الجمعة 28 مارس 2025م | 28 رمضان 1446هـ


الكلمات المفتاحية: أ. د. عبد السلام المجيدي… حين تتجلّى عظمة القرآن على أيدي أهله