المقالات

احذر أن تكون ممن قال الله فيهم: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]

أ.د/ عبد السلام المجيدي

بين ظلم النفس والهجرة

خطوات في التفكير الاستراتيجي للهجرة

الهجرة واجبة عندما يصل ظلم المجتمع حولك إلى الحد الذي تضطر معه إلى أن تظلم نفسك.

ويُبَصِّرُنا بذلك التعبير المدهش: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] كيف تظلم نفسك؟

يضيق عليك الخناق تمامًا فتظلم نفسك في المأكل وفي المشرب وفي المسكن.. ويضيق عليك الخناق فتظلم نفسك بالمعصية، والإثم، وربما بفعل الكبيرة، وربما بالشرك، وكل ذلك يسمى ظلمًا شرعًا:

فهذه الآية المجيدة ترسم لك خطواتٍ في التفكير الاستراتيجي تبنيها البصائر القرآنية، ومن أهمها:

أولًا: الهدف من الوجود الإنساني:

الإيمان بالله، فباسمه تبدأ الحياة، والحياة التي انبثقت من العدم لا بد أن تحمده، وتستعين بربوبيته وتربيته لعمارة العالمين وفق مراده فهو الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وهذه العمارة وفق مراد الله هي حقيقة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]، ولا يمكن أن تتم إلا عبر إعانة الله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، ولأن طبيعة الإنسان النقص الدائم فقد احتاج إلى أن يهديه الله إلى القرارات الصائبة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] وهذه القرارات الصائبة التي لجأ المرء فيها إلى الله عز ذكره واضحة معروفة حتى لا تربكك الفتن ولا تتلاعب بك نزوات شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا.. إن هذا القرارات الصغيرة والكبيرة التي تسير على الصراط المستقيم يجب أن تكون وفق صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لا وفق صراط المغضوب عليهم من القتلة والمجرمين والفجار، ولا وفق صراط الجهلة الضالين.

ثانيًا:

هذا يقتضي وجود الأرض، والأصل أنها في أرض القوم الذين تمت النشأة فيهم، لكن إذا تم التضييق فيها لدرجة أن يظلم الإنسان نفسه، فيجب عند ذلك البحث عن ناحية أخرى من الأرض الواسعة.

ثالثًا:

لا يشترط في الأرض الواسعة أن تكون مسلمة بل أن يجد المرء فيها قدرة على ألا يظلم نفسه، ثم يعمل على إصلاحها ما استطاع إما وفق الأنموذج الحبشي (نسبة إلى هجرة الصحابة إلى الحبشة)، وإما وفق الأنموذج اليوسفي (نسبة إلى يوسف عليه السلام)، وإما وفق الأنموذج المدني (نسبة إلى الهجرة النبوية) وما بعدها من مدن الشام والعراق وبقية البلدان.