استجاشة المشاعر نحو أعظم الشعائر
19 أكتوبر، 2022
379
حدثني فضيلة شيخنا أ. د. عبد السلام المجيدي، قال: (بينا أنا في مهمة التحضير لبرنامج إذاعي عن الصلاة ودورها ومكانتها، حضرتني أبياتٌ حفظتها قديمًا قبل أكثر من عشرين عامًا لواحد من أعلامِ اليمن، وأفذاذِ الزمن، يقول فيها:
تُصَلِي بِلا قَلْبٍ صَلاةً بِمِثْلِهَا
يَكُونُ الفَتَى مُسْتَوْجِبًا لِلْعُقُوْبَةِ
تُخَاطِبُهُ إِيَّاك نَعْبُدُ مُقْبِلاً
عَلَى غَيْرِه فيها لغير ضَرُوْرَةِ
وَلَو رَدَّ مَن نَاجَاكَ لِلْغَيْرِ طَرْفَهُ
تَمَيَّزْتَ مِن غَيْظٍ عليه وَغَيْرَةِ
فَوَيلَكَ تَدْرِي من تُنَاجِيْهِ معْرِضًا
وَبين يَدَي مَن تَنْحَنِي غير مُخُبْتِ..)
والأبيات قبسٌ من مشكاة سحر البيان، وفيضٌ من غيضِ قصيدةٍ رشيقةِ القوام، باسقةِ المقام، لذلكم الجهبذ بدر الدنيا مفتي تعز وتهامة في زمانه/ أبي بكر شرف الدين إسماعيل المُقري -عليه سلام الله ورحمته- صاحب المؤلفات البديعة، الذي أبهر العلماء بكتابه المقروء من كل جهة بفنّ مختلف (عنوان الشرف الأوفى)..
قال: (وعلى عادتي أقوم بمراسلة الكُتاب ذوي الألباب في هذا الباب، من الأدباء الألباء، لاستحثَّ أقلامهم وأستجيشَ مشاعرهم، وأستخرجَ من مناجمهم معادن المعاني، ونفائس المباني، فأرسلت إلى الشاعر اليماني التعزي/ محمد العِمراني -وفقه الله-؛ طالبًا منه النسجَ على منوالها، والسبح على نغم أقوالها.
فأجاب خير جواب، ووصل الطيب بالمستطاب، وبدأ من حيث انتهى الخطاب، فأنشدني:
عَلَى غَفْلَةٍ تَثْوي وتَنْأَى بِغَفْلَةِ
وَتَجْرِي وَرَاءَ المُلْهٍيَاتِ بِرَغْبَةِ
على مَتن تيهِ البُعد تأفل هائِماً
وَفِي غَمْرَةِ الدُّنيا تَسِيخُ بهُوَّة
تُغالِبُكَ الدنيا بكلِّ جَديِدها
وَتَنْتابُكَ الأرزاءُ من كلِّ وُجْهةِ
وتسْعى بِلا شَأْوٍ وتَنْسَى بِأَنَّها
سَرَابٌ وَلَا تُسوَى جَنَاحَ بَعُوضَةِ
تَمَادَيتَ يامغرورُ حتَّى إِذا انْتَشَى
بِكَ الغَيُّ أَلْقَتْكَ المَنايا لِحُفْرَةِ
فَيَا ضَيعَةَ العُمرِ الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ
بَدِيلٌ فَيُشرَى أو رُجوعٌ لِلَحْظةِ
“تُصَلِّي بِلَا قَلْبٍ”وَعَقلُكَ تائهٌ
وتُعْرِضُ عَنْ مَولَاكَ فِيْ خَيرِ حَضْرةِ
“تُصَلِّي بِلَا قَلْبٍ” وألفُ مَتَاهَةٍ
تَشَاغَلُ فِيهَا كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةِ
“فَوَيلكَ تَدْري” حَجْمَ فَقْدِكَ غَايَةً
لها تَفتدِي كُلُّ النفوسِ بِمَوتَةِ
وَوَيْلكَ تَدْري كَمْ هِباتٍ وكَمْ ندَىً
وَكَم من عطايا في الصَّلاةِ ومِنْحَةِ
وَهَلْ مُدْرِكٌ قابَ المَقامِ وقُربَهُ
وَكَم مِنْ حَياةٍ لِلْقُلوبِ بسَجْدَةِ
حُرِمتَ لَذِيذَ القُرْبِ حِينَ تَعَفَّرَتْ
جِبَاهٌ بذلٍ في السُّجُودِ ودَمْعَةِ
فَيَا وَيْحَ نَفسِْ المَرْءِ إنْ هِيَ أَسْرَفَتْ
وَلَمْ تَسْتبِقْ حَيْنَ الحِمَامِ بتَوبَةِ
ألا فاسْتَفِقْ مِمَّا اعْترَاكَ بِأَوْبَةٍ
وَلا عَيبَ قَبْلاً إن وقَعْتَ بِزَلَّةِ
فيا سُعدَ مَن أَضْحى إلى اللهِ سَعْيُهُ
بِقَلْبٍ مُنيبٍ فِي العِبادةِ مُخْبِتِ
ويا سُعدَ من أمْسى لِدُنياهُ قَاطِعاً
وَيَحْيى عَلى وَصْلٍ بِرَبِّ البَرِيَّةِ)
فلله ما أبدع الأول، ويا لله ما أروع التالي، وشكر الله سعي الساعين، وأجزل ثواب المصلحين الداعين،
ووفقنا الله للخشوع في الصلاة، ونيل مرتبة الحضور والانقطاع عمّا سواه.
كتبه/ محمد المثيل