الرؤية القرآنية لمبدأ الوحدة الإنسانية
15 يونيو، 2022
1758
بين الله مبدأ الوحدة الإنسانية وقصة وجودها الحياتي الـمادي في أربعة مواضع من الآية الأولى فقط في هذه السورة، وهذا بحد ذاته أمرٌ مدهش فهو في نهاية الإعجاز:
الموضع الأول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [النساء: 1] فجعل الخطاب عامًّا للعالم كله.
الموضع الثاني: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] أي نفس آدم عليه السلام
الموضع الثالث: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] فمن على الرجال بخلق النساء لهم، ومن على النساء بخلقهن من الرجال للدلالة على كمال الاحتياج وشدة الاتصال، وليكون ذلك من أعظم مظاهر تكريم المرأة، وإعطائها حقوقها ومكانتها.
الموضع الرابع: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] جعل الله هذا البث منهما لا من الرجل فقط، ولا من المرأة فقط، وهذا البث حقيقته النشر
ولقد وضع الله تعالى خصائص الاشتراك الإنساني بين النسل المبثوث من أول ذكرٍ وأول أنثى.. ماذا يعني ذلك؟ إنه يقيم الصلة الإنسانية العامة فيما بينهم {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]، وهذه الأخوة الإنسانية تقتضي حقوقًا وواجبات تظللها الرقابة الإلهية في التطبيق {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، ويرتبط الجميع بخالقهم الذي أنعم عليهم بالوجود والانتشار.
فهذه الجمل تبين الرؤية القرآنية لمبدأ الوحدة الإنسانية؛ إذ توجد بين بني الإنسان رابطة نَسَبية يعظمها الإسلام حيث يرجعون جميعًا إلى أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدة، وهذه الرابطة الإنسانية يترتب عليها أربعة قوانين:
القانون الأول: هناك حقوق وواجبات متبادلة بين أفراد الإنسانية للمحافظة على حق الحياة والبث الإنساني الزماني والمكاني:
ولا بد من مراعاة هذه الحقوق والواجبات سواء أكانت معنوية أم مادية.
القانون الثاني: يجب تنمية العاطفة المتراحمة المتساوية بين أبناء الإنسانية سواء قرب الرحم أم بعد؛ إذ لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى.
وإنك لترى في البصائر القرآنية والشريعة الإسلامية هنا شيئًا مدهشًا: ألم تر أن الله غفر لبغيٍّ لأنها سقت كلبًا، فكيف برحمة الإنسان لأخيه؟ اسمع للقصة يرويها أبو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِه» ، بل إن إزالة أذى عن طريقٍ يمر عليه الإنسان والحيوان يسبب مغفرة الرحمن، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» .
إنها العاطفة الإنسانية التي يجب أن يتبادلها بنو الإنسان سببها الرحم البعيدة حيث خلقوا من نفسٍ واحدة، ولقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مبينًا شدة العاطفة الرحمية بين الأقارب: «فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» ، وروى جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهموقفًا رائعًا في التذكير بهذه العاطفة الرحمية: قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَر،َ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلملِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [النساء: 1] إِلَى آخِرِ الآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وَالآيَةَ الَّتِي فِي الحَشْرِ{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قَالَ- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ -قَالَ- ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ».
فاستثار النبي صلى الله عليه وسلم همتهم وعاطفتهم بقراءة آية النساء، ولذا ذَكَرَ الله بعد الآية الأولى من سورة النساء حقوق اليَتَامَى وَالنِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ، فالقرابة الإنسانية توجب أن يكون بين أفرادها محبة وعطف وشفقة، وحزن على ما يصيب بعضهم من آلام، والله ذكر لهم وحدة الأصل ليعطفَ بعضهم على بَعْضٍ، وَيُحَنِّنَهُمْ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ، وقد قيل في بيان هذه الوحدة الإنسانية:
النَّاسُ مِنْ جِـهَـةِ التِّـمْثـَالِ أَكْفَاءُ
أَبُـوهُـمُ آدَمُ وَالـأُمُّ حَـوَّاءُ
نَفـسٌ كَنَـفـسٍ وَأَرواحٌ مُشاكَـلَـةٌ
وَأَعظُمٌ خُلِقَت فيـهـا وَأَعـضاءُ
لا عيـبَ للـمرءِ فيما أن تَكون لهُ
أمٌ من الرومِ أمْ سـوداءُ دعجاءُ
فإن يكن لهـم من أصلهم شرف
يفـاخـرون بـه، فالطين والمـاء
القانون الثالث: يجب أن يؤسس التفاعل الإنساني على العدل، وتطبيقًا لذلك امتلأت جوانب السورة بتقرير العدل في جوانب الحياة المختلفة.
فأهم أصلٍ في الرابطة الإنسانية رابطة الحقوق القائمة على العدل، ولذا نرى الانتشار العظيم للكلام عن القسط في هذه السورة المباركة {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [النساء: 123، 124] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].
القانون الرابع: هناك أخوة إنسانية ثابتة، فيَحْرُمُ ويُجَرَّمُ التمييز العنصري أما التفاوت النسبي فهو للتعارف.
فلا يوجد بشرٌ أعلى من بشرٍ من حيث النسب؛ إذ كلهم من نفسٍ واحدةٍ، وهذا يوجب مراقبة خالق النفس الواحدة لا التكبر والتعاظم بفرعٍ نَسَبِيٍّ لا يوجد له تميزٌ في ذاته عن بقية الفروع، وبذلك أطفأ الله نار التمييز العنصري الذي ما يزال العالم يئن تحت وطأته إلى اليوم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله o: «إِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ -أي كِبْرها- وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ. مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ. أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ. لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ» .
فهذه هي الرؤية الإسلامية للوحدة الإنسانية نقدمها لك لتراها بيضاء صافية خالصة هنيئًا للشاربين تضع لك الأمور في مواضعها في الحياة البشرية بحكمة وصدق.. فماذا تقول عندما تقارن بينها وبين العنصرية المرعبة القائمة على مبدأ (الفيتو) الذي تستخدمه مجموعات ودول وتتلاعب من خلاله بالعالم، حيث نرى أبشع صور التمييز العنصري، والتلاعب بمصائر الشعوب؛ إذ جعل مصير العالم في يد خمسة رؤوس تشكل أعلى دول العالم في مبيعات السلاح، ويتم التلاعب بصنع القرار فيها حسب القدرة المالية لكل طرف.. ثم تتحكم هذه الرؤوس الخمسة بالأمن العالمي!! وفق قوانين الغاب، ومنطلقات الشياطين.. وبنوا على (الفيتو) تقسيم صكوك التحصين من المساءلة على الجرائم لمجموعاتٍ محددةٍ من البشر.. كيف تقبل البشرية أن يكون المتحكمون بقضايا الأمن والسلم العالميين هم تجار الأسلحة في الأرض.. كيف تتوقع أن يديروا الأمن العالمي حينها؟ هذه البصائر القرآنية تجتاح -بحمد الله- التمايز الطبقي الظاهر والخفي الذي ما يزال مقننًا إلى اليوم حتى في بلادٍ تزعم انتسابها إلى الإسلام، بل تراه واضحًا فيها أكثر من غيرها.
هل يستوي هذا وقول إبراهام لينكولن في إحدى خطاباته أمام الكونجرس: «سأقول، فإنني لم ولن أكون في جانب إحداث مساواة اجتماعية وسياسية بأي شكل بين العرقين الأبيض والأسود وأنا لم ولن أكون أبدًا في جانب جعل الناخبين أو أعضاء هيئة المحلفين من الزنوج، ولا تأهيلهم لمسك المكاتب ولا لتزويجهم بالبيض، وسأقول بالإضافة لهذا إن هناك فرقًا جسديًا بين العرق الأبيض والعرق الأسود والذي أؤمن أن بسببه سيمنع إلى الأبد الحياة المشتركة بين العرقين من نواحي المساواة الاجتماعية والسياسية وأنا وكأي رجل آخر أفضل أن يكون منصب الرئاسة بيد العرق الأبيض».
أليس هذا كلام لشيطان تصور بصورة إنسان؟ أليس هو الذي كان يمنح المكافأة المالية (25 دولارًا لكل فروة هندي أحمر)؟ هل يستوي هذا الخطاب وقول الله جل ذكره: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1].
فهذه الرابطة الإنسانية لا تطغى على الرابطة الإيمانية، بل إن الرابطة الإيمانية كما رأيت تقويها وترشدها وتحميها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73].. فجعل الأخوة الإنسانية أخوة قائمة لها حقوق ظاهرة، ويقبل على أصحابها إقبال المحب المتعاطف.
ويقرر الطبري -رحمه الله- هذا المعنى الحقوقي الإنساني العظيم بعد أن أبصر الأخوة الإنسانية في هذه الآية، فيقول في بيان مشرقٍ: «ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحِّد بخلق جميع الأنام من شخص واحد، مُعَرِّفًا عباده كيف كان مُبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، ومنبِّهَهم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة، وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجبٌ وجوبَ حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة، وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض، وإن بَعُدَ التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى، وعاطفًا بذلك بعضهم على بعض، ليتناصفوا ولا يتظالموا، وليبذُل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له، فقال: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1]، يعني: من آدم» .
إن هذه الوحدة الإنسانية هي التي يركز عليها القرآن كما أنها هي التي يفتقدها العالم حتى تسوده المحبة وتملأه السكينة وتتحقق العدالة وتحقن الدماء وتتوقف الماسي، أما الوحدة الدينية التي يسوقها الجهلة بسنن الاجتماع وأصول الأديان فهي غير ممكنة عقلا وغير موجودة شرعا.