المقالات

الهداية ضياءٌ لا ينير قلوبًا مُظلمة

أ.د/ عبد السلام المجيدي

{أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 88]

ينكر الله على المؤمنين تضييعهم الأوقات، والطاقات في توسل هداية هذا الصنف الذي ذكره بقوله {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}، كما ينكر عدم تطوير مودة المؤمنين الآخرين، فيقول: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 88]، والاستفهام إنكاري توبيخي، يدل على جملة محذوفة، والتقدير: قد أركسهم الله بما كسبوا، فأضلهم.. أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟

يعني: فلا تحاولوا معاندة سنة إلهية حتمية هي إضلال الـمجرمين، واشتغلوا بما يمكن أن ينفعكم من الـمصالحة مع الـمؤمنين.

والاستفهام الانكاري التوبيخي يدل على جملة محذوفة، والتقدير: قد أركسهم الله بما كسبوا فأضلهم: أتريدون أن تهدوا من أضل الله.

فهنا يبين الله الأمر بصورة أوضح للذين يضيعون أوقاتهم في محاولة استمالة المنافقين، وتضييع مودة بقية المؤمنين الذين اختلفوا معهم في كيفية معالجة الموقف..

فالآية في حقيقتها ليست تثريبًا على المنافقين بقدر ما هي لوم للمؤمنين؛ لأنهم انقسموا، وتجد هذا في الواقع المعاصر، فبعض المسلمين يحرصون على استجلاب المحاربين للدين، يقولون نحن نريد أن نصنع وحدة مجتمعية، نتفق معهم في الأهداف فلدينا أهداف كبيرة، وفي هذه الأثناء يخاصمون إخوانهم الصالحين، فالآية تتكلم عن أمرين ظاهرين: انقسام المؤمنين وتفرقهم، ومحاولة تضييع أوقاتهم في استمالة من لا يظهر منه أنه يمكن أن يتوب أو يرتدع.

 ولقد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منافقون، أتريد أن تكون أقوى من النبي صلى الله عليه وسلم في تجميع الناس؟ تراهم لم يقبلوا من النبي صلى الله عليه وسلم أفيقبلون منك؟ فهنا يبين في صورة واضحة أنه لا ينبغي أن تضيعوا أوقاتكم وتضيعوا وحدتكم، انظر ماذا يقول الله:

{أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}

المراد أنكم ينبغي أن تركزوا في البصائر القرآنية لا في الأوهام التي تظنونها ستحقق لكم شيئًا، ثم لا يحدث شيء.. فهؤلاء المنافقون قد أضلهم الله بسبب رداءة أفعالهم، فهم لا يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ إلا نَظَرَ الأَعْدَاءِ المُبْطِلِينَ، وَيَتَرَبَّصُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ [1].

والبصيرة واضحة في أن الرحمة الواسعة في الرؤية الإسلامية، والتعامل الحسن الصادق مع العالم لا يعني أن يكون المسلمون مجموعة من المغفلين الذين يخدعهم المنافقون في كل وقت، فلا ينبغي أن يطغى التعامل السياسي اللين القائم على التجميع على استحضار البعد الإيماني المتين، فإن المنافقين الذين يُظهرِون عمليًا الولاء للمعتدين، ويُصرِون على تدمير مصالح الناس، وزلزلة أمنهم قد زاغوا فأزاغ الله قلوبهم فكيف يأتي من يريد هداية من أضله الله، ويصر على ذلك، بل يضحي بالصف المسلم في سبيل ذلك.

وكلمة ﴿سَبِيلًا﴾ في قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 88] هو الطريق البين الواضح، وهذه الكلمة نكرة تفيد العموم، فتبين أمرين معًا:

– لن تجد له سبيلًا لهدايته بعد أن أضله الله لشدة لؤمه، وسوء عناده، فقد أغلقت جميع منافذ حواسه فلن تجد له سبيلًا ليسير عليه.. السبيل منعدم فكيف يمشي أو يسير ليصل.. دلالة على العمى الكلي.

– ولن تجد له سبيلًا لتتفق معه أو تشاركه المصير؛ لأنه لا يجد فرصة إلا خانك أو خدعك.

#المجيدي

 مفصل تفسير سورة النساء


[1] تفسير المنار (5/ 262).


الكلمات المفتاحية: الهداية ضياءٌ لا ينير قلوبًا مُظلمة