تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (1)
15 نوفمبر، 2022
1116
شيخ قراء اليمن عليّ بن أبي بكر بن شَدَّاد (ت771هـ)
من قراء مدينة زبيد
اسمه ونسبه ولقبه وكنيته:
المقرئ المحدث الفقيه علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن محمد بن شداد، موفق الدين البرعي، الأبياري، الحميري، أبو الحسن الزبيدي، اليمني، الشافعي.
قال الشرجي: “وأصله من جبل برع، ونسبه في حمير، كذا وجدته بخط من يعتمد عليه”.
نشأته وحياته العلمية:
تَلَقَّى المقرئ ابن شداد العلم على كبار علماء عصره، وارتحل في طلبه، ومما ذُكِرَ في ذلك أَنَّه أخذ على العلامة أحمد بن علي الحرازي في مدينة عدن.
وكانت إقامته بمدينة زبيد، أقرأ بها زمنًا وأسمع الحديث بها دهرًا، وبرع في عدة علوم غير القراءات، كالفقه، والنحو، واللغة، والحديث، وعليه تخرج جماعة من علماء عصره، وارتحل إليه خلق كثير ليأخذوا عليه في علم القراءات.
وكان مقرئًا، فقهيًا، محدثًا، لُغًويًا، دَرَّسَ بالمدرسة التاجية للقراء وأهل الحديث بزبيد، وهي مدرسة بناها تاج الدين الطواشي بدر بن عبد الله المظفري، ووقف عليها وقفًا عظيمًا، وجعلها مدرستين، إحداهما للقراء، والأخرى لأهل الحديث. كما دَرَّسَ في مدينة تعز، وقد لقبه ابن حجر في أثناء ترجمته بالتعزي.
دَرَّسَ المقرئ ابن شداد بالمدرسة التاجية للقراء وأهل الحديث بزبيد، وهي مدرسة بناها تاج الدين الطواشي بدر بن عبد الله المظفري، ووقف عليها وقفًا عظيمًا، وجعلها مدرستين، إحداهما للقراء، والأخرى لأهل الحديث. كما دَرَّسَ في مدينة تعز، وقد لقبه ابن حجر في أثناء ترجمته بالتعزي.
وكان المقرئ ابن شداد عارفًا، محققًا في فنون الحديث، والقراءات، وانتهت إليه الرئاسة في اليمن في علم القراءات السبع، وكانت إليه الرحلة في علمي القراءات والحديث.
ومن المصنفات التي كان يُدَرِّسها ويجيز بها طلابه، ولا تزال بعض أسانيدها متصلة إلى اليوم: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة، وسنن البيهقي، وشفاء القاضي عياض، والأربعين في إرشاد السائرين للطائي، والسيرة لابن إسحاق تهذيب ابن هشام، ومعالم التنزيل للبغوي، والمصابيح للبغوي، وأسباب النزول للواحدي، والكشاف للزمخشري، ومقامات الحريري، وسائر تصانيف الحريري، وصحيفة علي بن موسى الرضا، وسلسلة الإبريز بالسند العزيز.
أسانيده في القراءات:
من الآثار التي وصلتنا ثبتٌ ذُكِر فيه أسانيد المقرئ ابن شداد في القراءات السبع، وعند النظر في هذا الثبت يتبين أن أسانيده تنتهي إلى أربع طرق:
الأولى: تبدأ بالقراء الشاميين، وتنتهي إلى ابن مجاهد.
والثانية: تسلسلت بالقراء اليمنيين، وانتهت إلى أبي معشر الطبري.
والثالثة: تبدأ بابن الصائغ، ومنه إلى أبي القاسم الشاطبي، ومنه إلى أبي عمرو الداني، وأسانيده في القراءات السبع مذكورة في مقدمة التيسير.
والرابعة: تبدأ بالمقرئ اليمني الحرازي، إلى شيخه النكزاوي، وتنتهي إلى أبي عمرو الداني.
فمن النوع الثاني السند التالي:
قرأ العلامة المقرئ أبي الحسن علي بن أبي بكر بن شداد القراءات السبع على المقرئ سالم بن حاتم الجبي، وهو على المقرئ أحمد بن يوسف الريمي، وهو على والده المقرئ يوسف بن محمد الريمي، وهو على المقرئ علي بن عمر بن سويد بن أسعد القاسمي، وهو على المقرئ علي بن محمد المعجلي، وهو على المقرئ سعيد بن أسعد بن حمير التباعي، وهو على المقرئ محمد بن إبراهيم بن أبي مشيرح الحضرمي، وهو على المقرئ عمر بن عبد الله بن عمر القيرواني، وهو على والده المقرئ عبد الله بن عمر القيرواني، وهو على المقرئ أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري رحمة الله عليهم أجمعين، وإسناده غير خاف؛ إذ هو إمام أهل هذه الصناعة، معروف بها في الأمصار كلها.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
قال فيه الملك الأفضل الرسولي (ت778هـ) في عطاياه:
“الفقيه، وحيد عصره، وفريد دهره، جمع بين فضيلتي العلم والعمل، متفنن بأنواع العلوم من الفقه، والحديث، والقراءة، والنحو، واللغة، تفقه به جماعة من فقهاء العصر، وحضر مجلسه من انتشرت عنه الفتوى، وانتهت إليه الرئاسة، ذو صلاح، وضبط في القراءة، لم يكن في منواله من هو على منواله، وله تصانيف جليلة حسنة أكثرها في القراءات، وقد أجمع علماء العصر أَنَّه في القراءات معدوم المثال في الشام واليمن، إليه يرتحل القاصدون، وعنه يأخذ المستفيدون، ولم يزل على الطريقة الرضية، والسيرة المرضية إلى أن توفي”.
ووصفه أبو الحسن الخزرجي (ت 812هـ) بقوله:
“كان فقيهًا، عالـمًا، نحويًا، لغويًا، مقرئًا، محدثًا، عارفًا، محققًا في فنونه، وإليه انتهت الرئاسة في قطر اليمن كله في علم القراءات السبع”.
ووصفه الشمس ابن الجزري بقوله:
“شيخ القراء ببلاد اليمن في وقتنا، كانت إقامته بمدينة زبيد، أقرأ بها زمنًا، وأسمع الحديث بها دهرًا، ورد إلينا جماعة ممن ذكر أنه رآه واجتمع به، وكنت أودُّ الرحلة إليه فما اتفق”.
وحكى ابن الجزري كذلك أنَّه رأى تلميذ ابن شداد، منصور بن عثمان الوصابي، يعظم شيخه تعظيما كثيرًا، ويصفه بوصف كثير. وقال فيه ابن حجر العسقلاني (ت852هـ): “شيخ القُرّاء بِاليمن”.
ووصفه العلامة المؤرخ الحسين بن عبد الرحمن الأهدل بقوله:
“المقرئ، الفقيه المحدث، وحيد عصره وفريد دهره فضلًا وفنونًا من العلم بالفقه، والقراءات، والنحو، واللغة، والحديث، تفقه به جماعة من فقهاء عصره، وارتحل إليه خلق للقراءات والحديث؛ إذ كان فيهما عديم النظير في اليمن؛ لإتقانه، وضبطه، وكثرة اطلاعه، وله تصانيف حسنة أكثرها في القراءات، ولم يزل على الصلاح ونشر العلم إلى توفي..”.
وقال عنه الشرجي في طبقات الخواص:
“الإمام، الفقيه، المحدث، المقرئ، كان عابدًا، ناسكًا، زاهدًا، وكان مع كمال العلم له كرامات ظاهرة… وكان مبارك التدريس، ما قرأ عليه أحد إلا انتقع به… وكانت الرحلة إليه من سائر أقطار اليمن في علمي القرآن والحديث، وانتشر ذكره بالعلم والصلاح، ولم يكن له نظير في عصره”.
وقال عنه بامخرمة في قلادة النحر (ت947هـ): “الفقيه الشافعي، المقرئ، النحوي اللغوي، المحدث، المحقق المدقق في هذه العلوم كلها، وإليه انتهت الرئاسة في هذه العلوم، خصوصًا علم القراءات”.
وقال عنه أيضًا:
“وكان مبارك التدريس، ما قرأ عليه أحد إلا انتفع به، وإليه انتهت الرحلة في علمي الحديث والقراءات، وقصده الطلبة من أقطار النواحي”.
من كراماته:
كتب المقرئ ابن شداد إلى شيخه الذي أخذ عنه في مكة المكرمة الإمام العلامة عبد الله بن عبد الحق الدَّلاصِيّ رسالة يطلب منه الإجازة، فقبل أن يصل رد شيخه إليه رأى ابن شداد في المنام شيخه الدَّلاصِيّ يقول له: قد أجزناك في جميع ما قرأنا وأخذنا فيه، وفيما نرويه من العلوم. فما لبث إلا أيامًا قلائل إلَّا ووصلت الإجازة من شيخه الدَّلاصِيّ ومكتوب فيها: قد أجزناك في جميع ما قرأنا وأخذنا فيه، وفيما نرويه من العلوم.
ومن كرماته ما ذكره الخزرجي (ت 812هـ) في طراز أعلام الزمن، حيث قال: “..وأخبرني شيخي المقرئ كمال الدين محمد بن عثمان بن شنينة الآتي ذكره إن شاء الله تعالى – وكان عبدًا صالحًا – قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، وسألته أن أقرأ عليه شيئًا من القرآن، فقال: اقرأ على ابن شداد، فقد قرأ علينا، أو: ما قرأ إلا علينا”.
شيوخه وتلاميذه:
أخذ المقرئ العلامة المقرئ ابن شداد العلوم عن جملة من كبار العلماء في عصره، منهم:
وأجمع المؤرخون بأنَّ المقرئ العلامة ابن شداد كان مبارك التدريس، وما قرأ عليه أحد إلا انتفع به، وإليه انتهت الرحلة في علمي الحديث والقراءات، وقصده الطلبة من أقطار النواحي، وكان من أخذ عنه:
وما من هؤلاء أحدٌ إِلَّا وَرَأَسَ ودَرَّس.
مؤلفاته وآثاره العلمية:
ألف المقرئ ابن شداد مصنفات عديدة، أكثرها في القراءات، ومما يدلُّ على ذلك كلام العلماء المؤرخين الذين ترجموا له، منهم الأفضل الرسولي، حيث قال: “وله تصانيف جليلة حسنة أكثرها في القراءات”. وقال الأهدل في تحفة الزمن: “وله تصانيف حسنة أكثرها في القراءات”.
ولم يصلنا من مصنفاته إلَّا كتاب “المبهج للطالب المدلج”. وذكر ابن الجزري أَنَّه رأى نسخة من هذا الكتاب بخط الطبيب المقرئ اليمني مهدي بن علي بن إبراهيم الصُنبُري. وقد اطلع ابن الجزري عليه ووصفه بقوله: “بحث فيه بحوثًا، ونقل نقولًا، وهو بعيد عن التحقيق”.
قلت: وقول ابن الجزري هذا يبعث على تحقيق الكتاب ودراسته دراسة علمية، تكشف عن ما أراده ابن الجزري بوصفه ذلك. وكيف أَنَّه أثنى على المؤلف ورغب في زيارته، ثُمَّ قال ذلك في كتابه.
وفاته -رحمه الله-:
انتقل شيخ قراء اليمن علي بن أبي بكر بن شداد إلى جوار ربه ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة من الهجرة، في مدينة زبيد، وشيعه خلق كثير، وقبره معروف بباب سهام في مدينة زبيد.
رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين. اللهم آمين.
❄❄❄❄❄❄❄
مصادر الترجمة:
1. العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية، الملك الأفضل العباس بن علي بن داود الرسولي (ت778هـ)، تح: عبد الواحد الخامري، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 1425هـ – 2004م.
2. طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن، علي بن الحسن بن أبي بكر الخزرجي الزبيدي (ت812هــ)، تح: عبد الله الحبشي، دار الكتب العلمية، بيروت، (د.ت).
3. غاية النهاية في طبقات القراء، المؤلف: محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت 833هـ)، مكتبة ابن تيمية، عني بنشره لأول مرة عام 1351هـ ج. برجستراسر، (د.ت.ط).
4. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تح: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية – حيدر اباد- الهند، ط2، 1392هـ- 1972م .
5. قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، الطيب بن عبد الله بامخرمة (ت 947 هـ)، دار المنهاج، جدة، ط1، 1428هـ – 2008م.