الدكتور جمال ياسين المقالات

تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (10)

د. جمال ياسين

المقرئ عفيف الدين الشنيني (ت804هـ)

من قراء مدينة إب

اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:

المقرئ عبد الله بن محمد بن علي بن عمر بن منصور، عفيف الدين، الصَّراري نسبًا، الشَّنِيني بلدًا، الشافعي مذهبًا.

الصَّراري: محلة تابعة لقرية (راجم)، التابعة لعزلة (جبل عميقة) بمديرية (حبيش) إحدى مديريات مدينة إب اليمنية.

الشَّنِيني: نسبة إلى قرية (شنين) من عزلة السحول، ناحية المخادر وأعمال إب. ابتناها عمر بن منصور بن حسن بن زياد الحبيشي، درَّس بها جماعة من أخيار الفقهاء والقراء.

❄❄❄❄❄❄❄

نشأته وحياته العلمية:

كانت قراءته بمواضع متفرقة في اليمن على جمع من أئمة العلماء أسانيدهم في الصحيح متفقة، أجلهم عنده المقرئ الإمام الحافظ رضي الدين أبو بكر بن علي بن نافع العمدي الحضرمي، قرأ عليه فأجاز له بالقراءات، وبجميع فنون العلم. ثُمَّ سكن بقرية شنين مدة يسيرة، دَرَّسَ فيها بمدرسة شنين، ثُمَّ انتقل منها إلى مدينة إب؛ فأضيف إليه إمامة الجامع الكبير، والتدريس فيه، وفي بعض المدارس هنالك، وانتهت إليه الرئاسة في علم القراءات السبع في بلده.

صورة حديثة لمسجد ومدرسة شنين في مديرية المخادر بمدينة إب

كما دَرَّسَ في المدرسة الأفضلية في مدينة تعز، وكذلك بالمدرسة المظفرية.

وكان لا يمر عليه وقت من النهار غالبًا إلا وهو يقرأ فيه أو يحصل شيئًا من كتب العلم أو ينسخ كتاب الله تعالى، وكان جماعة من الدَّرَسَة قراءتهم عليه ليلًا؛ لما لم يتسع لهم النهار، ولما أضيف إليه الإمامة بالجامع الكبير في مدينة إب كان يصرف ما حصل له من المشروط للدَّرَسَة ولا يأخذ منه شيئًا.

وكانت تحمل إليه الزكاة والصدقة فيأمر الذي يأتي بها أن يصرفها على الفقراء والأرامل والمحتاجين، وعلى اليتامى، ولا يأخذ منها شيئًا مع شدة فقره وحاجته، وكان قوته من أجرة نسخه، ومن غلة أرض قليلة كان يملكها، ويسكن بيتًا صغيرًا هو وأولاده. وقد عُرِضَ عليه السكنى في الدور الكبار فأباها وقال: “القبر أضيق من ذلك”.

وكان قد يشتهي من لذيذ الأطعمة، فإذا حضر شيء منها تركه وقال: “لا أعطي النفس هواها”.

ثُمَّ إنه سافر إلى مكة المشرفة، فحج وزار مرارًا، واجتمع بالشيوخ الكبار هناك فأخذ عنهم، ومنهم من أخذ عنه.

❄❄❄❄❄❄❄

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

ترجم له البريهي في طبقاته ووصفه بقوله: “المقرئ، الزاهد، العابد، المجاهد لنفسه، حامل راية الإسلام، غامر أندية أهل الفضائل، المضاهي بورعه الجلة من الأوائل، الموضح منهاج القراءة بنور مشكاة فهمه وذكائه، فوق لها سهام الطلب حتى أصاب الغرض، وتناول منها الجوهر وترك العرض، فأصبح منبسطًا للتدريس، مستنبطًا منها كل معنى نفيس”.

وقال عنه أيضًا:  “انتهت إليه الرئاسة في علم القراءات السبع لبلده”.

وقال عنه الأهدل: “الفقيه، المقرئ، الصالح”. وقال عنه الأكوع في هجر العلم:  “عالمٌ محققٌ في علوم القراءات، والسنة، انتهت إليه الرئاسة في علم القراءات السبع”.

ومدحه صفي الدين أحمد بن حسن البريهي بقصيدة أولها :

وأجاب عن القصيدة الفقيه عفيف الدين صالح الدمتي نيابة عن المقرئ عفيف الدين الشَّنِيني بقصيدة أولها :

❄❄❄❄❄❄❄

سنده في القراءات:

قرأ المقرئ عفيف الدين الشَّنِيني القراءات السبع على المقرئ رضي الدين أبو بكر بن نافع العمدي الحضرمي، وهو عن شيخ قراء اليمن علي بن أبي بكر بن شداد بأسانيده، وقد سبق بيان طرق وأسانيد المقرئ ابن شداد عند ترجمته .

❄❄❄❄❄❄❄

شيوخه وتلاميذه:

 ❐ تتلمَذ المقرئ الشَّنِيني على يد كبار علماء عصره، تلقَّى عنهم، وسمع منهم، وأجازوه، وممن وقفنا عليه منهم:

1. المقرئ رضي الدين أبو بكر بن نافع العمدي الحضرمي.

2. المقرئ شهاب الدين بن عباس.

3. المقرئ صفي الدين أحمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش الدمشقي.

أخذ كلٌ منهما عن الآخر.

 ❐ وقد تصَدَّر المقرئ الفقيه عفيف الدين الشَّنِيني للتدريس في عدة مدارس في مدينتي إب وتعز، فمن أجل تلاميذه:

1. الفقيه صفي الدين أحمد بن أبي بكر البريهي.

2. القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن علي التباعي.

3. المقرئ بدر الدين حسن بن محمد اليافعي.

4. العلامة إبراهيم بن أحمد بن محمد البرهان، أبو محمد الخنجدي.

5. المقرئ الصالح تقي الدين عمر بن أبي بكر الكلالي.

6. المقرئ صفي الدين أحمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش الدمشقي.

❄❄❄❄❄❄❄

كراماته -رحمه الله-:

من كراماته ما ذكره القاضي صفي الدين أحمد بن أبي بكر البريهي قال: أخبرني شيخي الصالح المقرئ عفيف الدين عبد الله بن محمد الشَّنِيني نفع الله به قال أخبرني رجل من بني الأسد يقال له أحمد بن حسن أنه حضر في مجلس مطهر الشريف المشهور – وكان صديقًا له – فقال له: ما حملك على سَبِّ الشيخين أبي بكر وعمر، فقال: لأجل فاطمة رضي الله عنها، لكن أُعْلِمُكَ أني تائب من ذلك، فقلت له: ما سبب التوبة، فقال: اعلم أني حين صنفت كتابًا في سبهما كنت بومًا بين النائم واليقظان، إذ دخل علي شيخ صبيح الوجه، فسلَّم عليَّ ووقف أمامي، ففزعت منه، ثُمَّ دخل بعده شيخ فسلَّم عليَّ بكلام فظ غليظ كاد فؤادي أن يطير من هيبته، ثُمَّ وقف خلفي فقال: ما حملك على سبنا يا ملعون، وأخذ بحلقي فخنقني خنقًا، ثُمَّ أرسل يديه، ثُمَّ قال: تُبْ إلى الله من سبنا، ثُمَّ خنقني ثانية أعظم من الأولى، حتى كادت روحي تخرج، ثُمَّ أرسلني، فعل ذلك مرارًا كثيرة، حتى قلت له: أنا من التائبين لا أعود إلى سبكما، فأطلقني، فانتبهت مرعوبًا وتبت إلى الله تعالى من سبهما.

ومن كراماته أنَّ المقرئ الفقيه صفي الدين أحمد بن أبي بكر البريهي نسخ له تفسير الإمام البغوي – وكان المقرئ الشَّنِيني في مدينة تعز والمقرئ صفي الدين البريهي في مدينة إب- فكان الفقيه صفي الدين واقفًا بمنزله بإب، فسمع صوت المقرئ عفيف الدين وهو يقول: مالك يا أحمد ما لك يا أحمد، قال الفقيه صفي الدين: فدخل ذلك الصوت بمسامعي وأعضائي ولزمني شبه الرعدة، وقلت: هذا صوت المقرئ لا شك فيه، وأظنه جاء من تعز، وقام الفقيه من ساعته فنظر عند بابه وحوالي بيته فلم ير أحدًا، فرجع إلى بيته، فلما استقر مكانه سمع صوت المقرئ كالصوت الأول، فقال الفقيه لأولاده ومن حضره: هذا صوت المقرئ وقد سمعته مرتين قوموا بنا حتى ننظره، فاجتهدوا في البحث والسؤال عن المقرئ فلم يروه، فرجع الفقيه إلى بيته فسمع صوت المقرئ مرة ثالثة، فأنعم النظر في البحث عنه ولم يجده، فأرخ ذلك وكتب به إلى المقرئ، فرجع الجواب منه يذكر فيه: أني لا أزال أذكرك وأدعو لك، وإني طالعت في الكتاب الذي نسخت لي فوجدت فيه ثلاثة أماكن تحتاج إلى إصلاح، فكنت أمر عليه وأقول في موضع الغلط: ما لك يا أحمد ما لك يا أحمد، كان ذلك مني في وقت واحد، فكان ذلك ما سمعت منِّي.

ومن كراماته أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، فوقف عنده ساعة، فأقبل الفقيه عفيف الدين عبد الله بن محمد الكاهلي – وهو من مدينة إب – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال المقرئ عفيف الدين الشَّنِيني: هذا الفقيه الكاهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أريد أن أسمع من علمه، المقرئ عفيف الدين الشَّنِيني: عنك أخذنا يا رسول الله، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان للمقرئ عفيف الدين صاحب من أكابر البلد، وكان تحته زوجة تقهره، فاقترحت عليه شيئًا من الفواكه في الشتاء عجز عن تحصيلها، فلم يقدر أن يدخل عليها بغير ذلك الشيء، فجاء إلى المقرئ وشكا إليه، وهو يعلم أن المقرئ ليس معه شيء منه، وأنه لا يوجد تلك الساعة بتلك البلد، فدخل المقرئ بيته وأخرج له ذلك الشيء من الفواكه وأعطاه ذلك، فخرج به إلى زوجته فرضيت.

❄❄❄❄❄❄❄

وفاته – رحمه الله-:

انتقل المقرئ الفقيه عفيف الدين الشَّنِيني إلى جوار ربه في يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين الحادي عشر من شهر صفر سنة أربع وثمانمائة، وقبر بالأجيناد، في مدينة تعز.

ورأى المقرئ أحمد بن محمد بن عياش الدمشقي في منامه المقرئ عفيف الدين عبد الله الشَّنِيني – بعد أن توفي- فقال له: أنه قد تهيأ له قصر عظيم عنده، وأنه في انتظاره. وبعد أن استيقظ المقرئ أحمد بن محمد بن عياش الدمشقي زار قبر المقرئ عفيف الدين الشَّنِيني بتعز، ومرض ستة أيام ثُمَّ توفي وقبر بالأجيناد جوار قبر المقرئ عفيف الدين الشَّنِيني.

وقد رأى جماعة للمقرئ عفيف الدين الشَّنِيني بعد موته رؤيا تدل على خير كثير له.

رحمة الله تعالى عليه وعلينا وعلى المؤمنين.. اللهم آمين.

صورة أخرى لمسجد ومدرسة شنين بمديرية المخادر بمدينة إب

❄❄❄❄❄❄❄

المصادر والمراجع:

  1. طبقات صلحاء اليمن (ص 190).

2. المدارس الإسلامية (ص189-192).

3. هجر العلم (2/1054).

❄❄❄❄❄❄❄


الكلمات المفتاحية: أسانيد القراءات اليمنية تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن جمال ياسين عفيف الدين الشنيني قراء إب قراء اليمن قراء تعز