تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (22)
14 مايو، 2024
291
﷽
المقرئ الناصر بن عبد الحفيظ المهلا (ت 1081هـ)
من قراء مدينة حجة
❒ اسمه، ونسبه، ولقبه:
المقرئ الوزير القاضي العلامة الناصر بن عبد الحفيظ بن عبد الله بن المهلا بن سعيد بن محمد بن علي بن أحمد القدمي النيسائي، الشرفي، الأنصاري، الخزرجي، اليمني.
الشرفي: نسبة إلى بلاد (الشرف الأعلى)، في مديرية (المحابشة)، من مدينة حجة.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ مولده، ونشأته:
ولد ونشأ بهجرة قرية (الشَّجْعَة)، وتتلمذ على والده القاضي العلامة عبد الحفيظ المهلا (ت 1077 هـ)، وهو العالم الذي رحل إليه طلاب العلم من الآفاق للقراءة لديه في تلك الهجرة المباركة، فأخذ عنه في الفقه، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، وأصول الفقه، وأصول الدين، واللغة، والفرائض، والتفسير، والمنطق، وغيرها من أنواع العلوم، وأجازه بها.
كما قرأ القرآن الكريم برواية نافع على العلامة المقرئ مهدي بن عبد الله البصير. وأجازه بالقراءات السبع المقرئ محمد بن صالح الأصابي. وأخذ عن العديد من علماء عصره، وأجازوه، ممن يطول تعدادهم، وأجاد علومًا كثيرة، ثم تصدر للتدريس.
صورة الجامع الكبير بمدينة حجة (جامع حورة)
❄❄❄❄❄❄❄
❒ أعماله:
جعله الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم وزيرًا له، وكان يجله ويحترمه لما لمسه فيه من اتساع في العلوم والمعارف. وكانت له معه مباحث ومجالس خاصة، تحتوي على بحث عظيم في جميع العلوم.
قال المحبي: “وكان استوزره الإمام المؤيد بالله، فانتظم الأمر أيام وزارته، وتصرفت الأيام طوع إشارته. فأحسن الله له نيل وطره، وفخر بالظهور على من انحط خطره عن خطره. وهو صاحب رأيٍ سديد”.
كما انشغل جُلَّ حياته بالإقراء وتدريس العلوم، وكان طلبة العلم يفدون إليه من نواح عدة وأماكن متفرقة.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
ترجم له المحبي في الخلاصة ووصفه بقوله:
“إمام الاجتهاد كان، له من التمكين ودقة النظر في كل مبحث، ومعرفة بالمقاصد والمآخذ، وإخراجه للمسائل من غير مظنتها، وحل المشكلات، وفتح المقفلات، شأن عظيم، وأمر شهير في الأقاليم”.
ووصفه في نفحة الريحانة بقوله:
“حامل راية الاجتهاد وناصرها، وقاطف أغصان البدائع وهَاصِرُها. منظور بالمهابة والجلال، مدلٌّ بالخصال البارعة والخلال. وله الخاطر الوقاد بتَلَسُّنِ لـَهَبِهِ، والفكر النَّقادُ لذَهَبِ القول ومَذْهَبِهِ”.
وقال عنه القاضي ابن أبي الرجال:
“أحد العلماء العاملين، محقق كامل بليغ … وهو من أَنْبَلِ العلماء، وأحسنهم طريقة وسماحة وتواضعًا واطلاعًا على العلوم”.
ووصفه العلامة المؤرخ محمد زبارة بقوله:
“كان مرجع العلماء المجتهدين، وبركة أفاضلهم المحققين، وله الأنظار الثاقبة في المباحث الدقيقة”.
وقال عنه والده عبد الحفيظ:
“هو مرجع العلماء المجتهدين، وبركة أفاضلهم المحققين، وله نظر في المباحث الدقيقة بما تُفْتَحُ به المقفلات، وتُحَلُّ به المشكلات”.
ومن ذلك ما كتبه الأديب حسن بن علي بن الحسن النّعمي – وكان من فضلاء الزمن وأدبائه وعلمائه وشعرائه – ما كتبه إلى القاضي الناصر بن عبد الحفيظ المهلا، يتشوق إلى لقياه بقوله:
أَلا بِاللَّه يَا نَفَسَ الخيالِ
أَعِدْ لِي ذكرَ سَالفِةَ اللَّيَالِي
وأَتْحِفني بِذكر أُهَيلِ نَجْدٍ
وَمَا قد مَرَّ فِي تِلْكَ الخِلالِ
فَإِنِّي إِنْ ذَكَرْتُ زمَانَ وَصْلِي
وَمَا قد مَرَّ مِنْ حُسْنِ اتصَالي
بِمنْ أهواه فِي عَيْشٍ خصيبٍ
وَأَيَّامٍ حلالها قد حَلَا لِي
أكاد أذوب من وَلَهي عَلَيْهِ
وأضربُ بِالْيَمِينِ على الشِّمَالِ
وأَصْبُو للرُّبوعِ وساكنيها
وَأبقى فِي افتكارٍ واشتغالِ
وَأَرْجُو الله يَجمَعَنا قَرِيبًا
بِذَاتِ النَّفَسِ لَا طَيْفَ الخَيالِ
إلى أّنْ قال:
أَخِلَّاءٌ وأحبابٌ وَأهلٌ
وَأَصْحَابٌ عَلَوا رُتَبَ الكَمَالِ
وَفِيهِمْ نَاصِرُ الدّين الـمُرَجَّى
لحلِّ المشكلات مِنَ السُّؤَالِ
ترَاهُ مُذ نَبَا كَلِفًا بِجمعٍ
لآثارِ النَّبِي وَخيرِ آلِ
وَإِنْ أمْلى تَدَفَّقَ مِثل بَحرٍ
تَدَفًّقً بالجواهرِ واللآلي
فَفِي الْمَعْنى وَفِي المغنى عَظِيمٌ
جليلٌ فِي الْمقَالِ وَفِي الفعالِ
حَبَاهُ الله مِنْهُ بِكُل خيرٍ
وفَضَّلَه على كُلِّ الرِّجَالِ
وَأَرْجُو الله يحبُوني قَرِيبًا
بِأَنْ أَضْحَى وعَزمتُهُ قُبَالِي
❄❄❄❄❄❄❄
❒ سنده في القراءات السبع:
قرأ المقرئ الوزير الناصر بن عبد الحفيظ المهلا القراءات السبع على المقرئ محمد بن صالح الأصابي اليمني، وهو على المقرئ أحمد بن أبي الفتح الحكمي اليمني، وهو على المقرئ سراج الدين عمر بن علي الشوافي اليمني، وهو على المقرئ محمد بن أبي سعيد المدني، وهو على المقرئ محمد بن شرف الدين التستري، وهو على المقرئ شمس الدين الكيلاني، وهو على شيخ القراء وحجة الإقراء الإمام محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، وهو بأسانيده المعروفة إلى أئمة القراءة. رحمهم الله جميعًا.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ شيوخه وتلاميذه:
أخذ المقرئ الناصر بن المهلا عن شيوخ كثيرين منهم:
1) والده العلامة عبد الحفيظ بن المهلا
2) جده العلامة عبد الله بن المهلا.
3) المقرئ الفقيه مهدي بن عبد الله البصير.
4) العلامة محمد بن الصديق الخاص السراج الحنفي الزبيدي.
وأخذ عنه جمع من علماء الزمان، وقصده الطلبة من الأقطار، وانتفع به جمع عظيم من علماء الأمصار، ورحل إليه طلبة العلم من أماكن وبلدان متعددة للقراءة عليه.
فكان ممن أخذ عنه: أولاده، وهم:
1) القاضي العلامة الحسين بن الناصر المهلا.
2) العلامة الحسن بن الناصر المهلا.
3) القاضي والعلامة أحمد بن الناصر المهلا.
وبقية أولاده علي ومحمد
وأخــذ عنــه:
1) العلامة الفقيه يحيى بن أحمد الشرفي.
2) الفقيه المقرئ عز الدين بن دريب بن المطهر.
3) القاضي العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال.
4) العلامة المقرئ عامر بن عبد الله.
5) المقرئ أحمد بن الحسين بن إبراهيم.
6) أحمد بن عبد الله الشرفي.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ مؤلفاته وآثاره العلمية:
ألف المقرئ الوزير الناصر بن المهلا مؤلفات عديدة، اشتهرت في الآفاق في عدة فنون، ومن أشهر مؤلفاته في علم القراءات:
1. المقرر النافع الحاوي لقراءة نافع.
اختصره المُؤَلِّف من كتاب (المكرر فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر) للشيخ عمر بن زين الدين المصري المشهور بالنَّشار (ت900هـ)، قال المُؤَلِّف في مقدمته: “…وبعد: فهذا مختصر مفيد إن شاء الله تعالى لمن تدبره، سلكت فيه مسلك المكرر، غير أنِّي لم أتعرض في هذا المختصر النافع لغير قراءة نافع، وأذكر ما حصل فيه الاختلاف بين راوييه، وأقول: قرأ نافع مما أجمعا عليه، وقد أحذف مما اتفقا عليه ذكر نافع للاختصار والوضوح والاشتهار، ومن الله أستمد الإعانة وأتوكل في جميع أموري عليه، فقد قصدت بهذا وجهه الكريم، ونفع من توجه من إخواني المؤمنين لتلاوة القرآن العظيم، وسميته بالمقرر لأنَّه مَهَّد قراءة نافع وقرر، ومن أمهاته تبصرة المذاكر ونزهة الناظر…”. وقد ابتدأ المُؤَلِّف كتابه بعد المقدمة بترجمة الإمام نافع وراوييه قالون وورش، ثم باب الاستعاذة، ثم باب البسملة، ثم سورة الفاتحة، تليها سورة البقرة، وهكذا إلى آخر سور القرآن الكريم.
توجد منه نسخة بخط المُؤَلِّف في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء، نُسِخَت سنة (1045هـ)، برقم (18)، في (107) ورقة، ونسخة أخرى نُسِخَت سنة (1126هـ)، بمكتبة الأحقاف بتريم في (84) ورقة، ونسخة ثالثة في مكتبة برلين برقم (645)، ومنه نسخة خطية بخط المُؤَلِّف في مكتبة الإمام زيد بن علي (اليمن)، نُسِخَت في سنة (1046هـ)، برقم (19/2) في (80) ورقة.
وقد حقق الكتاب الباحث عبد الرحمن أحمد حياني، في رسالة ماجستير، سنة (1423هـ- 2002م)، والباحثة سعاد عدنان الجنابي، في رسالة ماجستير، كلية الإمام الأعظم بالعراق، سنة (2017م)، وحقَقَّه أيضًا الأخ الباحث نجيب محمد الدرب في رسالته الماجستير، في جامعة سانت كليمنتس، في اليمن، سنة (2012م).
2. المحرر المختصر من المقرر.
هذا الكتاب عبارة عن مختصر لكتابه السابق (المقرر النافع الحاوي لقراءة نافع).
توجد منه نسخة خطية بخط المُؤَلِّف في مكتبة الإمام زيد بن علي (اليمن)، نُسِخَت في سنة (1046هـ)، برقم (19/2) في (27) ورقة، ومنه نسخة خطية في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء في مجموع برقم (3118) في (9) ورقات (من39- 47) ، ونسخة أخرى في مكتبة الأحقاف في (6) ورقات، ونسخة نُسِخَت سنة (1046هـ) بعنوان (المحرر المختصر من المكرر في قراءة نافع)، في مكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي في هجرة ضحيان بمدينة صعدة، بخط محمد بن صالح بن مكي الأصابي، في مجموع برقم (448)، في (30) صفحة.
وحققته على نسخة المُؤَلِّف الباحثة هيا بنت حمدان الشمري، ونشرته في مجلة علوم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، العدد (84)، سنة (2021م).
3. فصل في الإدغام.
تكلم فيه المُؤَلِّف عـن الإدغام وأنواعـه وأقسامه، ووضح الفرق بينه وبين الإخفاء.
توجد منه نسخة ملحقــة بكتـاب المُؤَلِّف السابق (المقــرر النافع) في مكتبة الإمام زيد بن علي فـي سنة (1046هـ)، برقم (19/2) في ورقتين.
4. مذاكرة في وجوه قالون في قوله تعالى:(هأنتم هؤلاء).
هذه المذاكرة عبارة عن سؤال ورد للمؤلف من عماد الإسلام يحيى بن أحمد، عن بلوغ وجوه قالون في (هأنتم هؤلاء) ثمانية عشر وجهًا، يريد به المذاكرة مع المؤلف، فأجابه بهذه الرسالة.
ومما يدل على أنها له قوله في مقدمتها: “… حسبما قررته في كتابي (المقرر)”.
توجد منها نسخة خطية ملحقة بكتاب المُؤَلِّف السابق (المقرر النافع)، في مكتبة الإمام زيد بن علي في اليمن، نُسِخَت سنة (1046هـ)، برقم (19/2) في ورقتين.
5. سند رواية القراءات السبع.
هذا السند فيه رواية المقرئ ناصر بن عبد الحفيظ المهلا للقراءات السبع، عن شيخه محمد بن صالح الأصابي اليمني، عن شيوخه المتسلسلين إلى الإمام ابن الجزري إلى النبي ﷺ.
قال المُؤَلِّف في أوله: “قال جامعه –أي جامع كتاب المختصر المبارك النافع في قواعد قراءة نافع- الفقير إلى عفو ربه تعالى، ناصر بن عبد الحفيظ بن عبد الله بن المهلا وفقه الله تعالى، وسدده قولًا وفعلًا: وقد يسر الله لي قراءة القرآن من فاتحته إلى خاتمته لنافع بطريقة راوييه معًا إفرادًا وجمعًا، مستوفيًا للوجوه تامة، ويسَّر لي سبحانه وتعالى قراءته بالوجوه تامة للقراء السبعة برواتهم المعروفين على طريقة الترتيب المعتبرة عند القراء كثرهم الله تعالى على الفقيه الأفضل المقرئ الأجل جمال الدين خاتمة القراء المحققين الخارج من بلد الله الأمين إلى حضرة مولانا أمير المؤمنين، وسيد المرسلين، المؤيد بالله رب العالمين، أيَّده الله تعالى وحماه، آمين، سنة أربع وأربعين بعد الألف من هجرة سيد المرسلين، واسم هذا الفقيه النبيه الصالح محمد بن صالح الأصابي اليمني….”.
توجد منه نسخة خطية ملحقة بكتاب المُؤَلِّف السابق (المختصر المبارك النافع في قواعد قراءة نافع)، في مكتبة الإمام زيد بن علي، باليمن، نُسِخَت سنة (1046هـ)، برقم (19/2) في ورقتين.
ومن مؤلفاته في العلوم الأخرى:
1. أرجوزة في الفقه.
2. تكميل منظومة البوسي في الفقه.
3. مختصر الأوائل.
4. مختصر الياقوت المعظم.
5. طبقات الزيدية.
6. ومنها مؤلف أجاب به عن الإمام المؤيد بالله محمد بن إسماعيل في مباحث نحوية شريفة.
وله أجوبة مسائل يطول تعدادها.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ شعره وأدبه:
لقد كان المقرئ الوزير الناصر ابن المهلا أديبًا شاعرًا.
قال المحبي واصفًا أدبه وشعره: “وله في الأدب وأنواعه باعٌ مديد. وشِعره صور محاسنه مجلوة، ونثره سور بدائعه متلوة”.
فمن شعره ما كتبه إلى العلامة المقرئ يحيى بن أحمد الشرفي، عاتبًا عليه في تأخره عن الدرس؛ لشُغلٍ عَرَضَ له، قال فيه:
أحبابنا ما لهذا الهجرِ من سَبَبٍ
وما الذي أوْجَبَ الإعْراضَ وا عَجَبَا
يمْضِي الزمانُ ولا نحْظَى بقُرْبكمُ
على الجِوارِ وكَوْنِ الجارِ ذَا قُرْبَى
وليس شيءٌ على الـمُشْتاقِ أصْعبَ مِنْ
بُعْدِ اللقاءِ إذا مُشْتاقُهُ قَرُبَا
فَصَانَكَ اللهُ يا سِبْطَ الأكارمِ أَنْ
يكونَ وُدُّك للأحْبابِ مُضْطرِبَا
هذا وإنِّيَ أدْري أَنَّ قَصْدَكَ لِي
وأنت معْ ذاكَ شَيْخي عَكْسُ ما وَجَبَا
لكنَّه لم يكنْ منِّي لحقِّكمُ
جهلٌ ولكنَّ عُذْرِي عنك ما عَزُبَا
وطلب منه العلامة المقرئ يحيى بن أحمد الشرفي يومًا أن يرسل له مؤلفه المحرر المختصر من المقرر في قراءة نافع، فأرسله إليه وكتب معه أبياتًا قال فيها:
سلامُ اللهِ ما هَمر السحابُ
ففاحَ عَبِيرُ زَهْرٍ مُستطابُ
وإكرامٌ وإنْعامٌ على مَنْ
له في المجدِ مَرْتبةٌ تُهابُ
على يحيى الذي ما نَال كَهْلٌ
عُلومًا نالَها وكذا الشبابُ
وبعدُ فإنَّ أشْواقِي إليكمْ
كثيرٌ ليس يحصُرُها كتابُ
وتقْصُر ألْسُنُ الأقلامِ عَنْ أَنْ
تقومَ بوَصْفِها وكذا الخطابُ
فيا ابْنَ مَدينةِ العِلمِ التي لمْ
يكُن غيرُ الوَصِيِّ لتْلك بابُ
ومَن حاز المَكارِمَ والمَعالي
فمنه قُل بَدا العجَبُ العُجابُ
إليك أتى الـمُحرَّرُ في حَياءٍ
لتُصْلِحَ منه ما العلماءُ عابُوا
وتنظُرَهُ بعينِ البِشْرِ حتى
يزولَ إذا وجدْتَ به اضْطرابُ
فمَن قد زارَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ
حَقِيقٌ أن يُلانَ له الجَنابُ
ورَاجِعْ في عبارتِه أُصولًا
لديْك بِحِفْظِها كُشِف الحِجابُ
وإنِّي طالبٌ بَسْطًا لعُذْرٍ
ويشملُني دُعاؤكم الـمُجابُ
فما لي غيرُ شِعْبِ الآلِ شِعْبٌ
وإن حًسُنتْ بزَهْرتِها الشِّعابُ
ودُمْ واسْلَمْ مُعافىً في نعيمٍ
مُقيمٍ والقَرابةُ والصِّحابُ
فكتب إليه العلامة المقرئ يحيى بن أحمد الشرفي:
سلامٌ لا يُحيِط بهِ حِسابُ
ولا يُحْصِي فضائِلَه كِتابُ
ولو أنَّ البِحارَ له مِدادٌ
ولم يبْرَح له الدَّهرَ اكْتِتابُ
سلامٌ مِن فَتِيت المِسْك أذْكَى
ودُون مَذاقِ سَلْسَلِه الرُّضابُ
سلامٌ حَشْوُهُ وُدٌّ مُصَفّىً
يرُوقُ فما بتكْديرٍ يُشابُ
ورحمةُ ربِّنا الرحمنِ تُهْدَى
مع البَركاتِ ما انْهَمَرَ السَّحابُ
إلى مَن لم يزَلْ للمجدِ خِدْنًا
ولم ينْفَكَّ بينهما اصْطِحابُ
حَليفُ مَحاسنِ الشِّيَمِ الذي لم
يُدنِّسْ مجدَه مُذ كان عَابُ
سَلِيلُ أكابرِ العلماءِ مَن لم
يكُن كنِصابِ فضلِهمُ نِصابُ
حُماةُ شريعةِ الـمُخْتارِ مِن أنْ
تُضامَ وأَنْ يُخامِرَها اضْطِرابُ
وأوحدُ أهلِ هذا العصرِ طُرًّا
بما قد قُلْتُه لا يُسْتَرابُ
أليْسَ مُقصِّرًا عن نَيْلِ أدْنَى
عُلاه الشِّيبُ منهم والشَّبابُ
وَجِيهُ الدِّين ناصرُه فما إِنْ
يَزالُ له بنُصْرتِه احْتسابُ
حَماه اللهُ من كَيْد الأعادِي
وأرْغَم أنْفَهم عنه وخَابُوا
وأبْقاه الإلهُ لنا مَلاذًا
له في العِزِّ مَرتبةٌ تُهابُ
وبعدُ فإنه قد جاء منه
كتابٌ سَرَّني منه الخِطابُ
بلغْتُ به من الفرَحِ الأَمَانِي
وزايلنِي برُؤْيته اكْتئابُ
وفَى بالدِّين والدنيا جميعًا
فما لي غيرُ ما فيه طِلابُ
وكيف فَطَيُّه مُلْك عظيمٌ
يدُوم فما يُخافُ له ذَهابُ
هو الذُّخْرُ الذي من لم يحُزْه
ذخائرُه وإن كثُرتْ تُرابُ
وذاك العِلمُ أفْضلُ ما تحلَّتْ
به نَفْسٌ وأفضلُ ما يُصابُ
وقد أهديْتَ منه لنا نصِيبًا
به منَّا تطوَّقتِ الرِّقابُ
جمعْتَ به الـمُحرَّرَ من علومٍ
جَلاها أهْلُها طابتْ وطابُوا
فنِلْتَ بما أنَلْتَ عظيمَ فضلٍ
ومغفرةً ويهْنِيك الثَّوابُ
ولا برِحتْ فضائلُك اللَّواتِي
عَلوْنَ بها لنا يعلُو جَنابُ
ودُمْتَ مُسلَّمًا ما لَاحَ مجدٌ
وَفَاحَ عبيرُ نَشْرٍ يُسْتطابُ
ولما وفد القاضي أحمد بن صالح بن أبى الرجال إليه أيام إقامته في حضرة الإمام المؤيد بالله أخذ عنه علومًا كثيرة، وقرأ عليه كثيرًا من المصحف بروايتي قالون وورش، وسأله يومًا نظم شيء يكون فيه له كالضابط المرجوع إليه عند الحاجة، فوضع له المقرئ الناصر أرجوزة، قال في أولها:
سَأَلْتَنِي يَا ابْنَ أَبي الرِّجَالِ
يَا سَاميًا في رُتَبِ الكَمَالِ
يَا مَنْبَع السُؤْدد والمعالي
ومَعدِنَ العلمِ الشريفِ العالي
وَأَنتَ في هَذَا السُّؤَالِ عندي
كَسَائلٍ كَيفَ طَرِيق نَجْدِ
أَهَلْ طَوِيلٌ ذَاكَ أَمْ قصيرُ
تَعَلُّلًا وَهُوَ بهَا خَبِيرُ
شَرَعْتُ في قَاعِدَةٍ تَمَهَّدَ
غازلها الْيَاقُوتَ والزبرجدَ
قد كُنتُ ألفتُ بهَا المقررا
ثمَّ اختصرتُ بعدهُ المحررا
فحينَ مَا استعجلتَ مِنِّي مَا تَرى
فعلتُها مُسارِعًا مُبَادِرا
وإِنْ تَكُنْ عَلى الصَّوَابِ فَهُوَ مِنْ
إِفضالِ مَوْلَانَا الإِمامِ المؤتمنْ
فإِنَّها قد جُمِعَتْ في حَضرَتِه
ونِعمة قَد نِلتُها مِنْ دَعوَتِه
مَعَ اشتغالي بِكِتَابِ التَّذكِرة
وَغَيرهَا بعد العِشَاء الآخِرَة
وفي النَّهَارِ لم أَجِد وقتًا يَسَعْ
فاقبَل مِنَ الـمُهْدِي إليك مَا جَمَعْ
ثمَّ بَدَأَ بالمقصودِ مِنَ المنظومة فقال:
المدُّ أَنواعٌ فَجَاءَ مُتَّصِلْ
يَا أّيُّها الاِنسانُ هَذا مُنْفَصِلْ
…. إلى آخرها.
فقال القاضي أحمد بن أبي الرجال:
أَنْهَلَنِي مِنْ بَحْرِهِ وَعَلا
من قدحه بين الورى الـمُعَلَّى
وَزَفَّ لي خرائدَ المعَاني
قَدْ قُلِّدَتْ قلائدَ الجُمانِ
عين الزَّمَانِ أوحَد الأنامِ
مَنْ قَدْرُهُ على السِّماكِ سامِي
لَا زَالَ في أُفْقِ الْعُلُومِ طالعًا
ونوره في العَالمين ساطعًا
ولم يَزلْ للصالحاتِ أَهْلا
حَاوي الكَمَالِ النَّاصِرُ المهلا
أملأنا في النَّحْو والتصريفِ
ومَلأَ الآفَاقَ بالتأليفِ
لأَنني سَأَلتُهُ تَدْرِيسَهْ
لي في الْعُلُوم الجمَّةِ النَّفيسَهْ
فَقَالَ لي لما سَأَلتُ أَهْلَا
لِظَنّهِ كَوْنِى لِذاكَ أَهْلَا
…. إلى آخرها.
وللمقرئ الناصر من السماعات والإجازات على والده وجده المجتهدين وغيرهما ما يطول تعداده.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ وفاته – رحمه الله -:
انتقل المقرئ الناصر بن عبد الحفيظ المهلا إلى جوار الله في يوم الجمعة غرة شهر صفر سنة 1081هـ. في هجرته قرية (الشَّجْعَة)، من بلاد (الشَّرف الأعلى)، من مدينة حجة. رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين وجمعنا مع النبي المصطفى ﷺ.. آمين اللهم آمين.
❄❄❄❄❄❄❄
❒ أهم المصادر والمراجع:
1- خلاصة الأثر، المحبي (4/444).
2- ملحق البدر الطالع، زبارة (2/222)
3- نفحة الريحانة، المحبي (1/ 432-433)
4- مجمع البحور، ابن أبي الرجال (2/478- 479).
5- إجازة خطية كتبها بيده، في حوزتي نسخة منها.