الدكتور جمال ياسين المقالات

تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (8)

د. جمال ياسين

المقرئ علي بن محمد الشرعبي (ت871هـ)

من قراء مدينة تعز

اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:

المقرئ الفقيه علي بن محمد بن عمر بن أحمد الرفدي، شمس الدين، أبو الحسن، الشرعبي، التعزي، اليماني، الشافعي.

قال الخزرجي: “الشرعبي نسبة إلى شرعب بن سهل بن زيد الجمهور بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم العطمي بن عبد شمس الملك بن وايل بن الغوث بن حمدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ، أو إلى الناحية التي تسمى شرعب. وهي ناحية مشهورة قبلي مدينة تعز سميت باسم شرعب بن سهل المذكور”.

❄❄❄❄❄❄❄

ولادته ونشأته وحياته العلمية:

ولد المقرئ الفقيه شمس الدين الشرعبي ببلده (شرعب)، ونشأ بها، وقرأ القرآن الكريم وجوده وحفظه، ثُمَّ قرأ القراءات السبع أولًا على المقرئ عفيف الدين جعفر بن الهمام الشرعبي الجبري، ومنه جاءته البركة، ثم قرأ على المقرئ الصالح محمد بن يحيى الشارقي، وكان أكثر انتفاعه عليه، وذاكره في الشاطبية، والعقيلة، ومعظم كتب القراءات، واشتهر فيها.

 ثم سافر إلى مكة المكرمة، ثم إلى مصر، فقرأ على المقرئ شمس الدّين محمد بن علي الزّراتيتيّ، وأجاز له جماعة من الشيوخ الكبار، ثم رجع إلى مكة المكرمة، واجتمع بالإمام شمس الدين ابن الجزري، وقرأ عليه بالقراءات العشر، وأجاز له، وأخذ عنه كتابه النشر في القراءات العشر، ثم عاد إلى اليمن، فتصدر للتدريس بالقراءات العشر.

ثم قصد مدينة زبيد، وأقام بها مدة، قرأ بها النحو على جماعة من الأئمة الكبار؛ كالإمام جمال الدين محمد بن أبي القاسم المقدشي، وغيره.

ثم انتقل إلى مدينة تعز، وأقام بها، فدرَّس بفن القراءات، وقرأ وسمع الحديث والتفسير على الإمام نفیس الدين العلوي، والإمام جمال الدين ابن الخياط. ونقل المنهاج للنووي، وقرأ بشيء من الفقه على أئمة الوقت.

ثم اشتغل بالتبحر بعلم القراءات، وقُصِدَ للإفادات بذلك، حتى تخرج عليه جماعة من العلماء بهذا الفن، واشتهر بذلك، وسُلِّمَت إليه الرئاسة، وكان هو المعتمد في هذا الفن، والمرجوع إليه فيه، والمشار إليه في إيضاح ما أشكل من القراءات بأكمل بيان.

ثُمَّ رُتِّبَ المقرئ شمس الدين الشرعبي إمامًا وخطيبًا في جامع ذي عدينة، ومَدَّ الله في عمره حتى إنَّه لم يبق في مدينة تعز وما قاربها مقرئ إلا وهو من تلاميذه، أو تلاميذ تلاميذه.

وكان فقيهًا حافظًا، لافظًا محققًا، عالـمًا بطريق الأداء، جهوري الصوت. وكان إذا وعظ أوجل القلوب بزواجر وعظه، وأجرى الدموع بجواهر لفظه. ودام على الخطابة والإمامة في جامع ذي عدينة قريب أربعين سنة. يتوضأ لكل صلاة مفروضة، حتى العشاء لا يصليه بوضوء المغرب، بل يجدد له الوضوء، إلى أن كَبُرَ وأَسَنَّ، ثُمَّ كان يستنيب ولده في الخطابة والإمامة. ولما خلا الوقت عن الحفاظ من أهل الحدیث، تصدر للتدريس في الحديث النبوي، فكان تارة يَقْرَأُ بلسانه، وتارة يُقْرَأُ عليه. وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم، خصوصًا في آخر الليل.

جامع ومدرسة ذي عدينة بمدينة تعز . والمعروف اليوم بـ (جامع المظفر).

❄❄❄❄❄❄❄

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

قال فيه المؤرخ البريهي: “المقرئ، الأجل، العلامة، الحافظ، الواعظ… كان إمامًا في فنون كثيرة”.

وقال عنه الإمام السخاوي: “كان آخر من بقي باليمن من شيوخ القراء أهل الضبط والإتقان، وممن جمع حسن الأداء والتحقيق، بحيث أنه كان إذا قرأ لا يتمكن من قراءة الفاتحة من المأمومين إلا من لا ذوق له، وتفرد بذلك في اليمن مدة”. وقال عنه بامخرمة في قلادته: “الإمام، العلامة، المقرئ… لم يخلف بعده مثله في علمه”.

وكان المقرئ شمس الدين الشرعبي قد لازم حلقة الإمام جمال الدين بن الخياط، وقرأ عليه صحيح البخاري، فلمَّا ختمه، أنشأ الوزير تقي الدين بن معيبد قصيدة مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومدح ابن الخياط، ومدح المقرئ شمس الدين الشرعي، فقال في أبيات منها:

إلى آخر القصيدة.

❄❄❄❄❄❄❄

سنده في القراءات العشر:

قرأ العلامة المقرئ شمس الدين الشرعبي القراءات العشر على شيخ القراء وحجة الإقراء الإمام محمد بن محمد بن محمد بن الجَزَرِيِّ، وهو بأسانيده المعروفة إلى القراء العشرة.

صورة من إحدى الإجازات اليمنية في القراءات في مكتبة دار الكتب المصرية

❄❄❄❄❄❄❄

شيوخه وتلاميذه:

أخذ المقرئ شمس الدين الشرعبي عن جملة من كبار العلماء في عصره، كان منهم:

1. المقرئ عفيف الدين جعفر بن الهمام الشرعبي.

2. المقرئ جمال الدين محمد بن يحيى الشارقي.

3. المقرئ شمس الدّين محمد بن علي الزّراتيتيّ.

4. الإمام شمس الدين محمد بن الجزري.

5. الإمام جمال الدين محمد بن أبي القاسم المقدشي.

6. الإمام نفيس الدين سليمان بن إبراهيم العلوي.

7. الإمام جمال الدين بن رضي الدين بن الخياط.

❐ وأخذ عن المقرئ شمس الدين الشرعبي جمع من علماء الزمان، وقصده الطلبة من الأقطار، وانتفع به جمع عظيم من علماء الأمصار، ورحل إليه طلبة العلم من أماكن وبلدان متعددة للقراءة والدراسة عليه، وكان منهم:

 1. القاضي جمال الدين عبد الله بن محمد الناشري.

2. المقرئ العفيف عثمان بن عمر بن أبي بكر الناشري.

3. موسى بن محمد بن موسى الصديقي البكري المكي الأصل اليماني الزبيدي.

4. أبو بكر بن إبراهيم بن علي الحرازي.

من الكرامات التي نقلها الشرعبي عن شيوخه في مصر:

قال البريهي: أخبرني المقرئ شمس الدين الشرعبي: أَنَّه لمَّا سافر إلى مصر، اجتمع بجماعة من الفقهاء المغاربة وغيرهم، وأنه أخبره بعضهم: أن الشيخ سراج الدين البلقيني، لما فتح الله عليه بالعلم على يد شيخه الشيخ شهاب الدين ابن عقيل، وأنكحه ابنته، اتفق حضور جماعة الصوفية، وحضر معهم رجل من الفقراء الترابية أهل المرقعات، فتواجد على الشعر، فتناقصه الشيخ سراج الدين البلقيني، فنسي جميع ما كان يحفظه من العلم، فشكى على شيخه الشيخ بهاء الدين ابن عقيل، فقال له: لعلك تَنَقَّصْتَ بعض الفقراء؟ فقال: تَنَقَّصْتُ رجلًا رأيته يتواجد، فقال الشيخ شهاب الدين: اذهب بنا إليه نَتَرَضَّاه: فذهبا إليه، فوجداه في ساحل النيل، فأكبا على رجليه، فعاتب الشيخ سراج الدين البلقيني بعض معاتبة، ولم يزالا يترضيانه حتى رضي عنه، قال: فبنفس رضاه عليه رجع له ما كان يحفظه من العلوم.

قال البريهي: “وهذه من الكرامات التي اشتهر نقلها عنه، فَسَطَّرتها؛ لكونه من الثقات في الرواية”.

❄❄❄❄❄❄❄

وفاته – رحمه الله -:

انتقل المقرئ شمس الدين الشرعبي إلى جوار ربه سنة إحدى وسبعون وثمانمائة.

وقال البريهي: “كانت وفاته بعد سنة خمس وثمانين وثمان مئة”.

رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين.. اللهم آمين.

❄❄❄❄❄❄❄

أهم المصادر والمراجع:

1. تاريخ البريهي الكبير (2/222-227).

2. الضوء اللامع، السخاوي  (6/6، 31-32).

3. قلادة النحر، بامخرمة (6/439، 460).

❄❄❄❄❄❄❄


الكلمات المفتاحية: أسانيد القراءات اليمنية المقرئ الشرعبي تلاميذ ابن الجزري قراء اليمن قراء تعز