الدكتور جمال ياسين المقالات

تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (9)

د. جمال ياسين

المقرئ محمد بن زاكي اليعلوي (ت708هـ)

من قراء مدينة صنعاء

اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:

محمد بن عبد الله بن بكر بن زاكي، أبو عبد الله، اليعلوي، الحرازي، اليمني.

واليعلوي: نسبة إلى بني يعلى، عشيرة من أهل قرية أَسْخَنْ في جبل صَعْفَان من بلدة حراز.

❄❄❄❄❄❄❄

ولادته ونشأته وحياته العلمية:

ولد المقرئ محمد بن زاكي في بلدة (حراز)، غرب مدينة صنعاء، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم حتَّى أَتَمَّه، ثُمَّ تَلَقَّى القراءات القرآنية على عَمِّهِ عبد الله بن زاكي، وكان عَمُّهُ عالمًا بالقراءات، وشيخ شيوخها. كَمَا تلقًّى فنون العلم على شيوخ عصره، حتى صار محققًّا في كثير من العلوم، ومشهودٌ له بتفوقه فيها، وبخاصة علم القراءات.

ثُمَّ تَصَدَّرَ للتدريس، فقصده طلبة العلم من كل مكان، وإليه انتهت رئاسة الإقراء بعد وفاة عمه المقرئ.

❄❄❄❄❄❄❄

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

ترجم له الجندي (ت732هـ)، وقال عنه: “كان هذا من أعلم الناس بالقراءات السبع، وانتفع الناس به، وقصدوه من نواحي شتى وأخذوا عنه… وكان رجلًا مباركًا”.

وقال عنه الأفضل الرسولي في عطاياه: “كان من أعرف الناس بالقراءات السبع، انتفع الناس به، وقصدوه من نواح شتَّى وأخذوا عنه”.

وترجم له الخزرجي (ت812هـ)، في العقد الفاخر، وقال عنه: “وكان رجلًا مباركًا، عارفًا بالقراءات السبع، انتفع به الناس انتفاعًا عظيمًا، وقُصِدَ من الأماكن البعيدة”.

وقال عنه في العقود اللؤلؤية: “وكان رجلًا مباركًا صالحًا، وكان من أعرف الناس بفن القراءات، وانتفع الناس به وقصدوه من نواحٍ شتَّى، وأخذوا عنه مصنفات في علم القراءات”.

وقال عنه الشرجي (ت893هـ) في طبقات الخواص: “كان فقيهًا، عالمًا، صالحًا، عارفًا بالقراءات السبع، لم يكن له في ذلك نظير، وكان يُعرف بالمقرئ، انتفع به الناس في هذا الفنِّ كثيرًا، وقصدوه من نواح شتَّى”.

ووصفه بامخرمة (947هـ) في قلادته بقوله: “كان عارفًا بالقراءات السبع، مباركًا صالحًا، وقصد من الأماكن البعيدة، وانتفع به الناس انتفاعًا عظيمًا”.

وقال عنه المناوي (ت1031هـ)، في الكواكب الدرية: “عالمٌ عاملٌ، يشار إليه بالأنامل، وصفي عارف يلوذ به المريدين طوائف. وكان مع ذلك عارفًا بالقراءات السبع، انتفع الناس به فيها، وقصدوه من نواحي شَتَّى”.

❄❄❄❄❄❄❄

سنده في القراءات السبع:

قرأ المقرئ محمد بن عبد الله بن زاكي القراءات السبع على عمه مقرئ اليمن عبد الله بن محمد بن زاكي، وهو عن المقرئ علي بن محمد المعجلي، وهو عن المقرئ سعيد بن أسعد بن حمير بن عبد الأعلى التباعي، وهو عن المقرئ محمد بن إبراهيم بن أبي مشيرح الحضرمي، وهو عن المقرئ عمر بن عبد الله بن عمر القيرواني، وهو عن والده المقرئ عبد الله بن عمر القيرواني، وهو عن المقرئ أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري، بأسانيده المعروفة المشهورة إلى القراء السبعة.

صورة من إحدى الأسانيد القرآنية في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء

❄❄❄❄❄❄❄

من كرامات المقرئ ابن زاكي:

من كرامات المقرئ محمد بن زاكي أنَّه كان يُقرئ الجنَّ. ذكر ذلك كثير ممن ترجم له.

قال عنه الشرجي في طبقات الخواص: “وشُهِرَ عنه أنَّه كان يُقرئ الجنَّ أيضًا، وكانت له كرامات ظاهرة”.

قلت: لقد أورد الإمام ابن حجر الهيتمي عن الإمام السُّبكي أنَّه قال: “وقد ورد في آثارٍ كثيرة عن السلف أنَّ جمعًا من الجن كانوا يقرؤون القرآن عليهم ويتعلمون العلم”.

ومن كراماته أنَّ رجلًا من المبتدعين قرأ عليه القراءات السبع وحققها، واجتمع له الإتقان وحسنُ الصوت، فلمَّا رجع إلى بلاده، أَعْجِبَ أصحابه تحقيقه وحسن صوته، وقالوا: ما أحسن هذا! لو كان شيخك منَّا، فقال: وما عليَّ من ذاك، أخذت العُسيلة، وتركت الظَّرف. فبلغ المقرئ محمد بن زاكي ذلك، فجمع تلاميذه، وأمرهم بقراءة سورة يس، وقال: اقرأوها ليردَّ الله علينا عُسيلتنا، فقرؤوها، ودعا، وهم يؤمنون عليه، فذهب حِفظُ ذلك الرَّجل، وَسُلِبَ منه جميع ما قرأه عليه، وبقي لا يعرف شيًئًا من القرآن أصلًا، فعرف الرجل من أين أُتِيَ، فجاء إلى المقرئ ابن زاكي مُستغفرًا تائبًا، ثُمَّ ابتدأ يتعلَّم القرآن كما يتعلم المُبتدئُ، وبلغ إلى خمس روايات، ثُمَّ توفي رحمه الله.

❄❄❄❄❄❄❄

شيوخه وتلاميذه:

أخذ المقرئ محمد بن زاكي القراءات عن كبار قراء عصره، منهم:

1. عمه مقرئ اليمن عبد الله بن محمد بن زاكي اليمني.

2. المقرئ محمد بن أسعد المشهور بالوقار.

  وأخذ عن المقرئ محمد بن زاكي وانتفع به جمع عظيم من قراء الزمان، وقصده الطلبة من الأقطار، وممن وقفنا عليهم:

1. المقرئ جمال الدين محمد بن علي الحرازيّ.

2. المقرئ محمد بن أبي بكر بن علي الجِدَاي الزَّيلعِيّ.

3. المقرئ محمد بن يوسف التُّبَّاعِيّ الغَيثِي.

4. المقرئ علي بن أبي بكر بن شَدَّاد.

5. المقرئ عثمان بن أسعد الشَّاوِرِيّ.

❄❄❄❄❄❄❄

مؤلفاته وآثاره العلمية:

قال المؤرخ الجندي في السلوك: “وله مصنفات عدة بالقراءات”.

ولم يصلنا من مصنفاته إلا كتاب “الأصول في علم القراءات”. وفيما يلي تعريف مختصر عنه:

افتتح المؤلف كتابه (الأصول في علم القراءات) بمقدمة عن فضل القرآن أورد فيها جملة من الأحاديث، افتتح المؤلف كتابه (الأصول في علم القراءات) بمقدمة عن فضل القرآن أورد فيها جملة من الأحاديث، ثمَّ تناول عدة فصول في أصول القراءات، ضمنها: مخارج الحروف، وصفاتها، والتشديد، والراءات، والوقف على الراء المتطرفة، وترقيق اللام وتفخيمها، وما يوقف عليه بالروم والإشمام، والوقف على المشدد، وما يكره الوقف عليه من المشدد، وما يوقف عليه وما لا يجوز الوقف عليه، والوقف على كلا و بلى و نعم، وأحكام النون الساكنة والتنوين، وأحكام الميم الساكنة، والمد أنواعه، والاستعاذة والبسملة، والممدود والمقصور، وأقسام المد العشرة، وعدد سور القرآن وآياته وحروفه، والضادات والظاءات في القرآن وكلام العرب، وما اختص به نافع من رواية قالون من فتح جميع ما اختلف القراء فيه بين الإمالة وبين اللفظين وما خالف فيه أصله. ثم أنواع التقاء الهمزتين من كلمة ومن كلمتين.

من هذا الكتاب نسخة خطية سنة 949هـ في المكتبة الشرقية بالجامع الكبير بصنعاء، في مجموع برقم (67)، وأخرى سنة 1100هـ، في مجموع برقم (1586).

ولم يكن أحد من الباحثين يعلم من مؤلف هذا الكتاب، وذلك لأنَّه لم يُثْبَت اسم المؤلف في هاتين النسختين مطلقًا، ونُسِبَ المخطوط في فهرس المكتبة للإمام ابن الجزري ت833هـ، وحصل جدل عند عدد من الباحثين حول صحة نسبة هذا المخطوط للإمام ابن الجزري. وقد قام الأخ الدكتور يوسف بن مصلح بن مُهِلّ الردَّادي بنشر بحث تحت عنوان: (مخطوط الأصول في علم القراءات المنسوب لابن الجزري. دراسة توثيقية)(1)، قام فيه بإثبات عدم صحة نسبة المخطوط للإمام ابن الجزري.

وبفضلٍ من الله ومِنَّةٍ رفعت الخلاف في نسبة هذا الكتاب، في بحثي الموسوم بـ (المؤلفات اليمنية في قراءة نافع)(2)- وذلك بنسبته إلى المقرئ محمد بن عبد الله بن بَكْرِ بن زَاكِي، أبو عبد الله، الحرازي، المتوفى سنة 708هـ، أي قبل عصر الإمام ابن الجزري، وكان دليلي في نسبة هذا الكتاب هو أنني كَشَفْتُ عن نسخة ثالثة للمخطوط، صُرِّحَ فيها باسم المؤلف في أول المخطوط، حيث كُتِبَ فيه: “كتاب الأصول في القراءات للمقرئ الفاضل المحقق أبي عبد الله بن أبي بكر بن زاكي، أحسن الله جزاه، وأكرم مثواه. آمين”.

وحقق الكتاب الباحث معاذ علي محمد الحسام في رسالة ماجستير، تخصص (قراءات) بقسم علوم القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، بكلية الآداب، بجامعة إب اليمنية، سنة 2022م.

(1) نشر في مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، العدد رقم (21) المجلد الأول، سنة 1435هـ – 2014م.

(2) بحث (المؤلفات اليمنية في قراءة نافع)، أ.د. جمال نعمان ياسين. ضمن أبحاث المؤتمر الدولي الأول للقراءات القرآنية، قراءة نافع المدني النشأة والتأصيل. 1444هـ – 2022م. مدينة طرابلس. برعاية الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في ليبيا.

وينظر: رابط عرض ملخص البحث في المؤتمر (https://www.youtube.com/watch?v=pYOp4YoFuJA).

❄❄❄❄❄❄❄

وفاته – رحمه الله -:

انتقل المقرئ محمد بن زاكي إلى جوار ربه سنة ثمان وسبعمائة، بعد أن جاوز عمره سبعين سنة.

رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين.. اللهم آمين.

❄❄❄❄❄❄❄

المصادر والمراجع:

1. السلوك، الجندي (2/302).

2. العطايا السنية، الأفضل (ص615).

3. العقد الفاخر، الخزرجي (4/1939).

4. طبقات الخواص، الشرجي (ص139).

5. قلادة النحر، بامخرمة (6/51).

6. غاية النهاية، ابن الجزري (2/140).

7. الفتاوى الحديثية، ابن حجر (ص 167).

❄❄❄❄❄❄❄


الكلمات المفتاحية: تحفة الزمن تراجم قراء اليمن جمال ياسين قراء اليمن قراء صنعاء محمد بن زاكي