(تداول الأيام) سنة حاكمة للدنيا قابضة للعالم
26 ديسمبر، 2024
139
{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]
لا تخطئ العينُ النظرَ عند فقه دروس التاريخ أن ترى أن (سنةً) من أهم السنن الكلية التي تحكم هذا العالم الدنيوي. سنة مزلزلة للسلطات الحاكمة، والأمم والحضارات القائمة.. إنها سنة (تداول الأيام) .
وفق هذه السنة الكلية تجد الأيام قُلَّبًا؛ ولا يمكن لأحد أن يجد منها مهربًا؛ إذ تنتقل الأمم من خضرة التمكين إلى حمأة الاستضعاف، وتتغير مواقع الدول والشعوب من الأودية السحيقة التي تتخطفها فيها مخالب الأقوياء إلى زهرة الـمُبَوأ الرشيد الصادق.
هذا التداول الدهريُّ إنما تحل قوارعه المفاجئة بسبب الجهل بسننه الحاكمة لنظامه، أو عدم العمل بمقتضى السنن الموصلة للتمكين..
ألا تجد أن هذه المقدمة تثير شوقك للبحث عن حقيقة السنن الحافظة للنمو والازدهار من التدهور والاندحار ؟
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هيَ الأمورُ كما شاهدتُها دولٌ
مَنْ سرَّهُ زَمَنٌ ساءَتهُ أزمانُ
يمزقُ الدهرُ حتمًا كلَّ سابغةٍ
إذا نَبَتْ مشرفياتٌ وخِرصانُ
وينتضي كلَّ سيفٍ للفناءِ ولو
كانَ ابنُ ذي يَزَنٍ والغمدَ غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوو التيجانِ مِن يَمَنٍ
وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَومَ ما كانُوا
يا غافلًا ولهُ في الدهرِ موعظةٌ
إنْ كنتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ[1]
فما السُّننُ التي تَحكُمُ هذا التَّداولَ؟ وكيفَ نَستبصرُ بها لِنُحسِنَ الحُضورَ في مَسيرةِ التاريخِ؟
نتناول كل هذا في سلسلة المقالات القادمة
[1] التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج4، ص487.