جمال الكلمة القرآنية (11)
6 ديسمبر، 2022
598
لماذا عبر القرآن في جانب الذكور بلفظ الأبناء، وفي في جانب الإناث بلفظ النساء؟
وهل كان إبقاء فرعون للنساء على سبيل التكريم لهن؟
﴿وَيَستَحيونَ نِساءَكُم وَفي ذلِكُم بَلاءٌ مِن رَبِّكُم عَظيمٌ﴾ [البقرة: ٤٩]
أي يبقون النساء على قيد الحياة، فهل إبقاء النساء جريمة؟
الجواب:
الإبقاء هنا ليس حفاظا على حياتهن، فالجانب المظلم في هذا الخبر إبقاء الإناث على قيد الحياة حتى يكبرن ليصبحن نساء، فيستخدمونهن في أنواع من الإجرام التي يتعرض لها النساء من قبل تجار الرقيق الأبيض، وبذلك تؤدي هذه الجملة {ويستحيون نساءكم} دورًا قويًا في إظهار فظائع الجرائم الفرعونية، وفهمنا ذلك من السياق الذي وضح لنا أن الكلام عن الإجرام لا عن الإنعام، وهذه الجملة مثل القول الذي يلقاه المعذب في النار حين يقال له: ﴿ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ﴾ [الدخان: 49]، فالسياق أبان لنا أن الجملة تهكمية لا تكريمية، ويؤكد هذا المعنى هذه المقابلة العجيبة المدهشة بين الأبناء، والنساء، وهنا ربما تتساءل:
لماذا عبر في جانب الذكور بلفظة الأبناء، وفي جانب الإناث بلفظة النساء؟
لماذا لم يقل: يقتلون رجالكم، ويستحيون نساءكم؟ أو يقتلون أبناءكم ويستحيون بناتكم؟
لأن السياق الذي ورد فيه كلام موسى عليه السلام يتعلق بجرائم آل فرعون، فجاء الأسلوب القرآني ملخصًا بكثافة لهذه الجرائم، فآل فرعون يقتلون الأبناء فعلًا:
أما أولًا فأمام آبائهم وأمهاتهم، وفي ذلك أعظم المعاناة
وأما ثانيًا، فيكون ذلك، وهم أبناء صغار، وفي ذلك أشد الألم
ويستحيون النساء، وتخبئ هذه الجملة نوعين من الإجرام:
الأول: يبقون البنات على قيد الحياة حتى يكبرن، فيستخدمونهن استخدامًا مُهينًا لواقعهن وكرامتهن.
الثاني: يقتلون الرجال أحيانًا، ويبقون النساء البالغات على قيد الحياة، ليقمن بالأعمال الشاقة والمحرمة.
وفهمنا ذلك كله من السياق، ولذا لم يكن فهم البقاعي لهذه المسألة قويمًا حين قرر أنَّهم لا يَعْرِضُونَ لِلْإناثِ صِغارًا ولا كِبارًا، فذكر أن موسى عليه السلام أنكر إبْقاء النِّساءِ بِلا رِجالٍ لِما يُخْشى عليهن مِنَ الضَّياعِ والعارِ،
والذي يظهر أن جريمة آل فرعون أوسع من مجرد ترك النساء بلا عائل.
أ.د/ عبد السلام المجيدي