“خصائص شهر الله المحرم ومسائل وأحكام متفرقه عن يوم عاشوراء”
15 يوليو، 2024
255
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحابته أجمعين وبعد:
فهذا مقال مختصر عن “خصائص شهر الله المحرم ومسائل وأحكام متفرقة عن يوم عاشوراء “
اختص الله شهر محرم بخصائص منفردة لا توجد في غيره من الشهور ففيه مزايا انفرد بها عن غيره سأذكرها على وجه الاختصار :
- منها ان الصيام فيه افضل صيام بعد الفريضة كما جاء في صحيح مسلم عند ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)
- ومنها ان الصيام الذي فيه يفكر ذنب سنة ماضية لحديث (احتسب على الله ان يكفر السنة التي قبله) قال الإمام النووي “يكفر كل الذنوب الصغائر…”أما الكبائر فتحتاج الى توبة مستقلة فلا تكفرها الصلاة والصيام والصدقة.
- ومنها انه من الاشهر الحرم المشار إليه في قوله تعالى “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة احرم ذلك الدين القيم…”وقد انعقد الاجماع على ان المقصود بها اربعة أشهر مبينة في الحديث الصحيح في حجة الوداع في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والارض، السنة اثنا عشر شهرا، منها اربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) وقد كانت العرب قديمًا تحرم القتال في الاشهر الحرم تعظيمًا لها وتقديرًا لمكانتها عندهم فلا يغدرون ببعض ولا يتقاتلون فيها.
- ولعل العلة المستنبطة في كون الاشهر الثلاثة سرد والاخير فرد لأجل مناسك الحج والعمرة، فكانوا يقعدون عن القتال في شهر، ويحجون في شهر، ويعودون للديار في الشهر الثالث، انتهى كلام ابن كثير ببعض التصرف.
- ومنها ان فيه يوم عاشوراء الذي نجى الله فيه موسى من بني إسرائيل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال ماهذا؟ قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال أنا احق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.
ويوم عاشوراء عظيم زمانا وتعبدا وفيه من الحكم والفوائد لخصتها بالآتي:
شكر المنعم سبحانه وتعالى على اي حال لاسميا عند حصول نعمة او دفع نقمة كما حصل لموسى عليه السلام او عند حصول انجاز او استحقاق شخصي خاص او عام… مع ان الشكر يكون في كل الاحوال.
إن شرع من قبلنا شر ٌع لنا شريطة عدم النسخ وان يرد من طريق الوحي وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية، وأصح الروايتين عن أحمد، وهو الراجح عندي، وتؤيده النصوص.
وهناك قولان آخران في المسألة قول بالمنع والآخر بالتوقف. وليست محل بسطها هنا.
جواز سؤال اليهود او النصارى عن عباداتهم وطقوسهم بغرض التعرف والفائدة ونحو ذلك
جواز تهنئة اليهود والنصارى المسالمين وجواز تعزيتهم كذلك لعمومات الأدلة منها قوله تعالى “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين “
وقد جاء في تفسير البر هنا بمعنى الإحسان لهم.
وصور الاحسان كثيرة؛ منها المشاركة في الافراح والاحزان في أمور الدنيا كالزواج والتخرج وعند حلول المصيبة والمرض والموت وهكذا…الخ.
فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا يهوديًّا في مرضه الذي مات فيه، كما جاء في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه.
وكان هذا الغلام يهوديًّا يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.
قال الإمام النووي: “ويجوز للمسلم أن يعزي الذمي بقريبه الذمي، فيقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك “.
وكلام العلماء كثير حول الاحسان الى الذميين والمسالمين على تفصيل بينهم ليس محله هنا.
ولكني من خلال النظر والتمحيص في كتبهم وجدت مدار ذلك من حيث الجملة بناء على المصالح والمفاسد وبهذا أصلًا جاءت الشريعة، وهذا هو الميزان والاصل والمعتبر.
ويحسن بهذا العمل حضور معنى التعبد لله ويكون في ترغيبهم للاسلام والدعوة اليه واقلها المعاملة الحسنة.
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق كما نقل ذلك الامام بن قيم في كتابه احكام الذمة.
-ومن خصائص شهر محرم انه الشهر الوحيد الذي اضافه النبي صلى الله عليه وسلم الى الله تعالى، حيث قال في معرض بيان فضل صوم المحرم (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) وقال ايضا (… شهر الله الذي تدعونه المحرم) وهذا يدل على شرفه وفضله كما قاله الحافظ ابن رجب وغيره. وعليه ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهليه تحله وتحرم مكانه َصفَرا.
*مسائل متفرقة عن يوم عاشوراء.
لا شك ان يوم عاشوراء عظيم وفضله كبير لأنه يمثل رمزية للدين وانتصاره على الكفر واهله يوم انتصر فيه الحق على الباطل والعدل على الظلم، يوم انتهى فيه الطاغية فرعون وانتصر الحق بموسى عليه السلام، ومن هذا المنطلق سأذكر أهم المسائل على سبيل المثال والاختصار.
المسألة الأولى: تعيين تاسوعاء وعاشوراء. تاسوعاء: هو اليوم التاسع من شهر محرم الحرام. وعاشوراء: هو اليوم العاشر من محرم. وهذا قول جمهور أهل العلم.
المسألة الثانيه: هل يجوز تخصيص يوم معين للصيام او نحوه شكرا لله تعالى بناء على صيام
النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء؟
تخصيص يوم معين للصيام او القيام بأعمال معينة كالصلاة والصدقة ونحوها لا ينبغي لعدم وجود دليل يجيزه.
لكن اذا صادف يومًا معينًا من غير قصد او اختيار فلا بأس بذلك. كفعل الصحابة وغيرهم من السلف رضي الله عنهم وقد اقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومن تلك الصور :
-ما تصدق به كعب ابن مالك وابي لبابة بماليهما شكرا لربهما على قبول توبتهما كما في صحيح مسلم.
-ومنها عتق ابي هريرة رضي الله عنه عبدًا له شكرًا لله تعالى كما جاء في صحيح البخاري.
قال الحافظ في الفتح: “وفيه استحباب العتق عند بلوغ الغرض والنجاة من المخاوف “
وبناء عليه فلا حرج من الصيام او الصلاة او التصدق شكرا لله تعالى على نعمة حصلت او نقمة ذهبت.
والعبادات من حيث القياس لا يجوز ان يقاس عليها الا اذا كانت معقولة المعنى مطلقًا وهو مذهب الامام الشافعي وأصحابه سواء كان هذا القياس في العبادات أم في غيرها، وهذا مذهب جمهور الأصوليين أيضًا، واختاره الإمام الرازي والسبكي.
المسألة الثالثة: هل عاشوراء اسم جاهلي ام حديثا بالاسلام؟
والجواب على هذه المسألة لا بد من النظر في كلام العرب كون القرآن والسنة جاءا بلسان العرب.
عاشوراء مشتقة من لفظ العشرة مصوغة على وزن (فاعولاء) وقد عدلت من عاشرة الى الالف الممدودة للتعظيم والمبالغة.
قال ابن دريد عاشوراء يوم سمي في الاسلام لم تعرف في الجاهلية، وليس في كلام العرب فاعولاء ممدودا الا عاشوراء كذا قال مثله ابن قتيبة.
وهناك كلام لابن دحيه عكس هذا.
قال الإمام النووي رحمه الله : عاشورا ُء وتاسوعا ُء اسما ِن ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة. قال أصحابنا : عاشوراء هو اليوم العاشر من المح َّرم، وتاسوعاء هو التّاسع منه.
وليس هنا محل تحرير النزاع في المسألة، ولكن المهم الاشارة الى ان عاشوراء اسم اسلامي وجاءت به النصوص المعروفة.
المسألة الرابعة: هل صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء قبل الهجرة؟
الجواب نعم؛ فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه.
المسألة الخامسة: هل كان صوم عاشوراء واجبًا؟
الجواب نعم. كان واجبًا ثم نسخ الى التخيير وهذا قول ابي حنيفة ورواية عن أحمد.
ونسخ وجوب صوم يوم عاشوراء جاء بعد فرض صوم رمضان.
المسألة السادسة: الشيعة وعاشوراء.
الشيعة يقيمون المأتم والحزن ويقومون بلطم الخدود وشق الجيوب وإسالة الدماء وضرب الرؤوس حتى يصل البعض منهم الى شق رأسه او بقر بطنه مبالغة في الحزن على مقتل الحسين رضي الله عنه
متغافلين عمن قتل الحسين وهم أصحابه الذين أشاروا عليه وغدروا به ثم بعد ذلك خذلوه على تفصيل في قصة مقتله ليس محلها هنا.
وفعلهم هذا ليس له اصل في الكتاب والسنة ولا عند الصحابة والتابعين وهم خير القرون بنص الحديث.
وهذا الفعل لو كان خيرا لسبق الى فعله الصحابة رضي الله عنهم، ولأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه في حياته ان يفعلوا ذلك عند مقتل الحسين رضي الله عنه.
لم نؤمر بفعل مثل هذه التصرفات الغير سويه حتى مع موته صلى الله عليه وسلم ولا شك ان موته اكبر واعظم مصيبة حلت بالمسلمين الى يوم القيامة.
فقد جاء عند ابن ماجة وغيره بسند صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها (يا أيها الناس أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة، فليتعز بمصيبته بي، عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي، لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي)
فإن سلمنا جدلا ولا بد؛ فأيهما أولى وأحرى بالاجتماع لموته صلى الله عليه وسلم ام لمقتل الحسين رضي الله عنه؟!!
ثم ان اللطم والنياحة التي يقومون بها بدعوى مقتل الحسين رضي الله عنه تشمئز منه الفطرة السليمة وتنفر منه الطباع القويمة.
لأنها جمعت كل الموبقات من التعدي على النفس والنياحة والشرك والاكاذيب والتقول على الله ورسوله الى غير ذلك من المحرمات وكبائر الذنوب عياذًا بالله.
ومع ذلك ولا يصح في الاذهان شيء :: إذا احتاج النهار إلى دليل.
وعليه فإن ما يقوم به الشيعة من اجتماع وقراءة القصائد والنوح وغير ذلك في مقتل الحسين بدعة منكرة لا أصل لها.
وبالمناسبة – ومن باب الإشارة والتنبيه لا البسط – تبين لي من خلال الاستقراء والتتبع ان الفكر الشيعي يقوم على ركنين أساسيين مهمين للديمومة والبقاء وهما المال والجنس على تفصيل و ِن َسب عند الطوائف الشيعية.
المسألة السابعة: نية صوم يوم عاشوراء. هذه المسألة خلافيه بناءً على اختلافهم في مسألة نية النفل المعين. فمذهب الجمهور لا بد ان تكون النية مبيتة من الليل. وأما الحنفية فتصح عندهم مطلقًا في النهار قبل الزوال وسواء أكانت معينة ام لا. وعندي هو تبييت النية في الصوم المعين. لحديث (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) واما غير المعين فجائز النية من النهار.
المسألة الثامنة: التشريك بين العبادات بالنية. وضابطها ان تكون إحداهما غير مقصودة بذاتها فتدخل مع غيرها بالنية. ولا شك ان هذا يشمل الصيام والصلاة وغيرهما. *ومن صور التشريك في العبادات على سبيل المثال لا الحصر :
-الاغتسال للجنابة والجمعة.
-ولو أحرم بالصلاة بنيتها والاشتغال بها عن غريم، -وكذلك الطواف مع ملازمة غريم.
-وإذا صلى بنية الفرض والتحية صح قطعًا.
-وإذا صام يوم عاشوراء عن قضاء أو نذر أو كفارة وأطلق، أو نوى معه صوم يوم عاشوراء صح ووقع.
-ومن لم يحج، إذا نوى بحجه الفرض والنفل وقع فرضًا.
المسألة التاسعة: صوم عاشوراء للمسافر.
لما كان السفر مهما للانسان لقضاء حوائجه ولا غنى لبعضهم عنه، فقد تفوته بعض القرب بسبب السفر ان هو اخذ بالرخص على اطلاقها.
وبناء على ما تقدم نقول إن المسافر لا يخلو من أمرين:
- اما ان يكون سفره فيه مشقة وتعب فالواجب عليه الفطر لاسيما وهي نافلة، ومن فضل الله انه تعالى يكتب له اجر صيام هذا اليوم اذا كان مواظبا عليه حال اقامته؛ لحديث ابي موسى الاشعري كما في الصحيح “إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا “
-وإما الا يكون في سفره مشقة ولا تعب ولا يلحقه أذى او ضرر فالذي أراه ان يصوم تحصيلًا للأجر.
هذا بناء على قول من قال بأن علة الفطر للمسافر هي المشقة لا السفر.
والناظر في نصوص الفطر في السفر من عدمه يجد انها رخصة، والرخص فيها التخيير بين الأخذ والترك وهذا كله مبني على المصالح والمفاسد للمسافر
-فإذا كان من مصلحته الفطر افطر او كان من مصلحته الصيام صام وهكذا.
ولأن التقدير شيء غامض وغير محدد لكل مسافر فيختلف من شخص لآخر وعليه فالذي يحدد المصلحة والمفسدة من الفطر وعدمه هو المسافر نفسه؛ لأنه ادرى بالاصلح له.
المسألة العاشرة: هل مخالفة أهل الكتاب في صوم يوم قبل عاشوراء تحصل ولو مرة واحدة ام لا بد منها في كل مرة؟
هذه المسألة مبنية على كلام الأصوليين هل الامر يقتضي التكرار ام لا؟ خلاف وجدل كبير في هذه المسألة ليس هنا موضعه.
لكن بعد النظر والتمحيص في الاقوال ودراستها ومناقشتها يظهر لي انه لا يقتضي التكرار على الصحيح إلا إن دل الدليل على قصد التكرار، لأن الأمر في أصل صيغته لا يدل على التكرار، والتكرار هو فعل الشيء أكثر من مرة، فإذا قال الآمر: صل، او صم فلا يقتضي ذلك تكرار الصلاة، او الصيام بل تكفي في امتثاله صلاة واحدة وصوم واحد على الصحيح.
والخلاصة ان الامر اذا لم يوجد به قرائن توجب التكرار فالاصل عدم لزوم التكرار.
المسألة الحادية عشرة : من فاته صوم يوم عاشوراء سواء كان لعذر ام لا، فلا يقضي ذلك اليوم لأنه صوم معلق بسبب فيفوت بفوات ذلك السبب.
المسألة الثانية عشرة : أيهما افضل صيام تاسوعاء مع عاشوراء، ام عاشوراء مع احد عشر؟
الافضل والاكمل ان يصوم تاسوعاء مع عاشوراء لورود النص الصحيح الصريح بذلك.
لكن من فاته صوم يوم التاسع فلا حرج في صوم يوم الحادي عشر.
واما حديث (صوموا يوما قبله او بعده) كما في مسند احمد ففيه مقال منهم من حسنه ولكن المحققين على ضعفه.
ولهذا تكفيك صيام تاسوعاء مع عاشوراء وهي الاكمل والاصح.
المسألة الثالثة عشرة: المرأة الحائض هل يجوز لها اخذ اقراص او علاج منع نزول الدورة إذا كانت ستأتيها أيام الصوم حتى تتمكن من صيام عاشوراء او غيره من ايام الصيام او حتى الحج او العمرة مثلا؟
هذه المسألة مبنية على وجود الضرر او الاذى من عدمه، والشريعة جاءت للحفاظ على الكليات الخمس ومنها حفظ النفس من ان يلحقها اذى او ضرر ونحو ذلك، وحفظ (النفس) مقدم على حفظ النسب والعقل والمال، لتضمنه المصالح الدينية، لأنها إنما تحصل بالعبادات، وحصولها موقوف على بقاء النفس.
وعليه فالامر ابتداء يرجع الى طبيب ثقة مؤتمن يقرر هل في اخذ هذه الحبوب مضاعفات لاحقة او ضرر ام لا؟
فإن كان الجواب بعدم حصول مفسدة او ضرر او مضاعفات لاحقة او اذى فلا بأس بذلك.
وإن حصل الضرر او المفسدة فلا يجوز ؛ لأن حفظ النفس من الضرورات الخمس المجمع عليها.
وأما كونها ضرورية فلأنه لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت، لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وهرج ونحو ذلك.
المسألة الرابعة عشرة : من جامع زوجته في يوم عاشوراء وهو صائم أو في اي صوم نفل آخر.
لا شك ان صوم يوم عاشوراء من القرب ونوافل الطاعات وليس على الزوجين كفارة إذا كانا صائمين في يوم عاشوراء او في اي صيام نفل آخر ؛ لأن الكفارة المغلظة انما هي بالجماع في الصوم الواجب وهو نهار رمضان.
وبناء عليه فلا يقضيان ولا يكفران إذا أفطرا في نهار عاشوراء او نهار عرفة مثلا، لكن فاتهما خير كثير.
المسألة الخامسة عشرة :
المفطرات الاصلية او الفرعية في يوم عاشوراء وعرفة وسائر ايام النفل المطلق هي نفسها في صيام الفرض والواجب مثل رمضان والقضاء والكفارات والنذور. فالحكم واحد على السواء.
المسألة السادسة عشرة : هناك احاديث لا تصح في يوم عاشوراء ذكرها ائمة الحديث بعضها ضعيف وبعضها منكرة وموضوعة ولبيان ذلك سأذكر بعضًا منها على سبيل المثال فقط لا الحصر:
أ- ما من عبد يبكي يوم مقتل الحسين يعني يوم عاشوراء الا كان يوم القيامة مع اولى العزم من الرسل. موضوع. والموضوع هو المكذوب وضعها اصحابها لنصرة مذهبهم ونهجهم كما نص عليه المحدثون في اسباب وضع الحديث.
ب- ومنها ان الصرد اول طير صام عاشوراء، قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- رواه الخطيب عن اسم صحابي لا يعرف بهذا الاسم. والحديث منكر.
ج- من صام عاشوراء اعطي ثواب عشرة آلاف ملك. موضوع. د- من صام عاشوراء كتب له عبادة ستين سنة
بصيامها وقيامها، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف ملك. موضوع.
هـ- ان الله خلق السماوات والأرض يوم عاشوراء. موضوع. ومن ذلك الاحاديث الواردة في فضل الصلاة في يوم عاشوراء لا يصح منها شيء.
ومنها حديث من أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله مثل عبادة أهل السموات السبع، ومـن صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بالحمد مرة، ومرة بقل هو الله أحد، غفر الله له ذنوب خمسين عاما ماضية، وخمسين مستقبلة، وبنى له في الملأ الأعلى ألف منبر من نور، ومن سقى شربة ماء فكأنما لم يعص الله طرفة عين.
وللفائدة ينظر كتب الأئمة في الاحاديث الموضوعة
منها كتاب تذكرة الموضوعات لابن ظاهر المقدسي والأباطيل، للهمداني، والموضوعات لابن الجوزي والفوائد المجموعة للإمام الشوكاني.
المسألة السابعة عشرة : لماذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صوم يوم عاشوراء مع انه صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية وكان معروفًا بينهم.
لعل الحكمة في ذلك انه أراد بهذا السؤال زيادة تأكيد وتعظيم هذا اليوم وكان يحب موافقة اهل الكتاب فيما لم يؤمر بخلافه.
وأما مخالفة أهل الكتاب في صوم يوم قبله فكان ذلك في العام الاخير من حياته صلى الله عليه وسلم عندما قيل له إنه يوم تعظمه اليهود.
ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: “ثم لما قيل له قبيل وفاته إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه وعزم على فعل ذلك “
وقال ابن قيم أيضا:
“وهذا فيه أن صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعام، وحديثه المتق ِّدم فيه أن ذلك كان عند َم ْق َد ِمه المدينة “
المسألة الثامنة عشرة : إذا ُغ َّم هلال شهر الله المحرم فماذا يجب؟
الجواب يكون العمل بإكمال عدة شهر ذي الحجة ثلاثين يوما.
كما هو الحال بالنسبة لهلال رمضان إذا ُغ َّم. فيكملون عدة شعبان ثلاثين يوما كما جاء في الصحيح (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)
المسألة التاسعة عشرة : التدرج في تشريع الصيام والحكمة من ذلك.
من خلال الاستقراء والتتبع نجد ان الصيام مر بمراحل ثلاث تخللتها فترة زمنية لرياضة النفس على المراس وترويضها على ذلك فقد كان تشريع الصيام في مرحلته الأولى فرض صوم عاشوراء. ثم نسخ من الفرض الى التخيير -وهذا يسمى النسخ من الأثقل الى الأخف – وفرض صوم شهر رمضان مع التخيير، وكان الصيام مع المنع من الأكل والشرب والجماع ليلا بعد النوم، ثم نسخ ذلك، واستقر الحكم على وجوب صيام شهر رمضان بدون تخيير، مع إباحة الأكل والشرب والجماع ليلا.
قال ابن القيم متحدثا عن سر التدرج في التشريع
“ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما تو ّطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج.
وقد فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات “
المسألة العشرون: حكم افراد صوم يوم عاشوراء يجوز لكنه خلاف الأفضل.
المسألة الحادية والعشرون: صيام عاشوراء لمن عليه قضاء.
اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان على أقوال فالحنفية إلى جواز التطوع من غير كراه ٍة، لكون القضاء لا يجب على الفور والمالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة والحنابلة إلى حرمه التطوع قبل القضاء ولو اتسع الوقت للقضاء.
والذي أراه جواز التطوع بالصيام قبل قضاء رمضان لكون التطوع ضيقًا ومقيدًا بوقت قصير ولا يدرك بخلاف رمضان.
ولأنه إذا لم يتطوع تفوته القرب والطاعات مع قدرته على ذلك فيصاب بالحرمان من عظيم الثواب والأجر من الله تعالى.
وليس معنى هذا جواز التساهل في تأخير قضاء رمضان حتى يدخل العام الذي بعده بدون عذر.
المسألة الثانية والعشرون: هل صام موسى عليه الصلاة والسلام عاشوراء؟
الجواب نعم وقد نص الحديث على هذا فقد جاء في الصحيح (….. فصامه موسى شكرا لله…)
المسألة الثالثة والعشرون: مراتب صوم يوم عاشوراء. صوم يوم عاشوراء على خمس مراتب نجملها في الآتي:
الاولى: صيام التاسع والعاشر، وهو محل اتفاق، لحديث ابن عباس.
الثانية: صيام العاشر والحادي عشر.
الثالثة: صيام يوم عاشوراء وحده فقط، بدون كراهة واختاره ابن تيمية وابن حجر الهيتمي وغيرهما.
الرابعة: صيام يوم قبله أو بعده؛ لرواية: (يومًا قبله أو يومًا بعده) لكن هذه الرواية فيها ضعف كما اشرنا اليها من قبل.
الخامسة: صيام التاسع والعاشر والحادي عشر.
وأفضل هذه المراتب المرتبة الأولى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) رواه مسلم.
وبهذا نكون قد أتممنا خصائص شهر الله المحرم ومسائل وأحكامًا متفرقة عن يوم عاشوراء وقد اشرنا الى رؤوس المسائل وأهمها غالبًا وليس المقصود الحصر او البسط؛ لأن هذا ليس موضعه، وإنما المقصود تعليم المبتدىء وتنبيه الغافل وتذكير العارف ونسأل الله ان يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم وأن يغفرلي ووالدي والمسلمين والمسلمات آمين.
فإن يك صوابًا فمن الله، وان خطئًا فمني واستغفر الله، والله اعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وصحابته أجمعين.
د. عبدالله بن محمد البكاري الخديري
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة