فلماذا قابل الله بين القاعدين والمجاهدين مع أنهما ليسا ضدين؟ وكيف أثرى هذا الأسلوب المشهد؟
30 يوليو، 2024
206
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95]، فقابل بين المجاهدين، والقاعدين، والمعنى: لا يستوي القاعدون المتخلفون المتقاعسون والمجاهدون المتأهبون القائمون.
لاحظ هنا التعبير القرآني المدهش: قابل بين القاعدين والمجاهدين.. فهل هما ضدان؟ إن ضدَّ القاعدين القائمون، وضدَّ المجاهدين الخاضعون، أو المتخلفون، أو المستسلمون، أو المتقاعسون، أو المتكاسلون، فلماذا قابل بين القاعدين والمجاهدين؟
إنه الاحتباك الرائع في الأسلوب القرآني الذي يولد المعاني المتعددة، فكأنه قال: لا يستوي القاعدون المستسلمون المتقاعسون المتكاسلون والمجاهدون القائمون المتأهبون المستعدون المتحركون.
وتبصرك الآية بأن الجهاد يكون ممن يبذلون أموالهم وأنفسهم في سبيل الحماية الأمنية الحقيقية، فهم يبذلون الأموال والأنفس بصورةٍ جزئية ليحافظوا على الأموال والأنفس في الصورة الكلية.. إنه بذل لشيء من المال، ونقص لقلة من الأنفس في سبيل الحفاظ على الحياة العادلة في هذا العالم الذي ملأه الفاسقون بالفساد، وملأه المجرمون بالحزن.. وكما ترى هذا الأسلوب المثير، فكما يذكر أدوات الجهاد وهي المال والنفس يعني أن يكون القاعدون بخلاء بالمال والنفس، فما الذي يترتب على هذا البخل بالمال والنفس؟
إنه الاجتياح القريب لكل مالٍ خبأوه، والإهانة البالغة لكل نفسٍ ضنوا بها حتى يود المهانون أن الموت أقرب إليهم من كل شيء.
وعليه فإن هذه الآية تبصرنا بالقانون التالي:
يجب على أصحاب الطموح العالي من القادرين أن يكونوا في حالة تأهب دائمة، وهذا يعني أن يكونوا في حالة بذلٍ للجهد المالي والجسدي والنفسي استعدادًا لتقديم ذلك عند الاقتضاء.