المقالات

كيف تحارب قوى النفاق الإدارة الراشدة وتمنع الإنسانية من نيل حقوقها؟

أ.د/ عبد السلام المجيدي

(قوى النفاق) هم الصنف الثاني الذي يحارب الإدارة الراشدة، ويمنع الإنسانية أن تنال حقوقَها، وتتنعم بما هو خيرٌ وأحسن تأويلًا (النساء:60-65)

ذكر الله في الآيات (44-46) من سورة النساء الصنف القيادي الأول الذي يعمل على تدمير الإدارة الراشدة لكي يمنع البشرية من استيفاء حقوقها المشروعة، وينتمون إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، وذكر أعظم جناياتهم في التعدي على حقوق أنفسهم وعلى سائر البشرية في الآيات (47-57) ثم بين أهم أصول الإدارة الراشدة التي تعطي الحقوق لأهلها في الآيات (58-59)، وهنا يذكر الله الصنف الثاني من مانعي الحقوق البشرية.

إنه الصنف الخطير الذي يختلف عن الصنف الأول في قدرته على التلون.. فهو يزعم الإسلام، ويحاول تدمير أي محاولة لقيام الإدارة الراشدة..

ويُبَصِّرُنا الله جل جلاله بأهم المعالم التي تعرفنا بهذا الصنف، ومنها:

المعلم الأول: يكرر الطغاة الزعم بأنهم يؤمنون بالوحي الخاتم، والكتب السابقة، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾.

يعجب الله تعالى عبده القارئ لكلامه فيقول له: انظر إلى هذه المخلوقات الغريبة، وتأملها بعينك فإن فيها أعاجيب تُتأمل.. إنهم الذين يزعمون أنهم آمنوا، فكلمة يزعمون من (زعم)، وَمُضَارِعُهُ مُثَلَّثُ العَيْنِ، والزعم هو القَوْلُ مِنْ غَيْرِ صِحَّةٍ وَلَا يَقِينٍ، فيقال الزَّعْمُ وَالزُّعْمُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

زَعَمَـتْ غُدَانَةُ أَنَّ فِيـهَا سَيِّدًا

 ضَخْمًا يُوَارِيهِ جَـنَاحُ الجُـنْدُبِ [1]

فكلمة (زعم) تدل على عدم وجود دليل يؤكد صحة القول الوارد، ولذا قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الزَّعُومُ مِنَ الغَنَمِ الَّتِي لَا يَعْرِفُونَ أَبِهَا شَحْمٌ أَمْ لا، وقد تسْتَعْمَلُ الزَّعْمُ فِي الخَبَرِ المُحَقَّقِ بِالقَرِينَةِ، كَقَوْلِهِ:

زَعَمَ العَـوَاذِلُ أَنَّنِي فِـي غَمْرَةٍ

 صَدَقُوا وَلَكِـنْ غَمْـرَتِي لَا تَنْجَلِي

فَقَوْلُهُ صَدَقُوا هُوَ القَرِينَةُ، وَبين الرَّاغِبُ أنه يغلب أن يكون الزعم حكاية قولٍ يكون مظنةً للكذب، ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذَمُّ القائلين به [2] نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7]، وَقَالَ: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94] ، وَقَالَ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56] ، وَقَالَ: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 48] ، وقيل للضمان بالقول والرئاسة زعامة فقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد في قوليهما إنهما مظنة للكذب.

ولماذا ذكر الله زعمهم الإيمان بالكتب السابقة بعد أن ذكر أنهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنهم يملؤون الآفاق، ويسودون الإعلام والصحف الطباق بمدى احترامهم للكتب الإلهية، وحمايتهم لها، وقيامهم على أمرها، ويحاولون الكلام عن ذلك في كل مناسبة، ولكنهم يكذبون في الواقع العملي.. فهذه الصفة من علاماتهم البارزة.


[1] مقاييس اللغة (3/ 10).

[2] مفردات غريب القرآن للأصفهاني (ص: 213).