كيف تحارب قوى النفاق الإدارة الراشدة وتمنع الإنسانية من نيل حقوقها؟
4 سبتمبر، 2023
427
(قوى النفاق) هم الصنف الثاني الذي يحارب الإدارة الراشدة، ويمنع الإنسانية أن تنال حقوقَها، وتتنعم بما هو خيرٌ وأحسن تأويلًا (النساء:60-65)
ذكر الله في الآيات (44-46) من سورة النساء الصنف القيادي الأول الذي يعمل على تدمير الإدارة الراشدة لكي يمنع البشرية من استيفاء حقوقها المشروعة، وينتمون إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، وذكر أعظم جناياتهم في التعدي على حقوق أنفسهم وعلى سائر البشرية في الآيات (47-57) ثم بين أهم أصول الإدارة الراشدة التي تعطي الحقوق لأهلها في الآيات (58-59)، وهنا يذكر الله الصنف الثاني من مانعي الحقوق البشرية.
إنه الصنف الخطير الذي يختلف عن الصنف الأول في قدرته على التلون.. فهو يزعم الإسلام، ويحاول تدمير أي محاولة لقيام الإدارة الراشدة..
ويُبَصِّرُنا الله جل جلاله بأهم المعالم التي تعرفنا بهذا الصنف، وهي:
المعلم الأول أنهم يكررون الزعم بأنهم يؤمنون بالوحي الخاتم، والكتب السابقة، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾.
يعجب الله تعالى عبده القارئ لكلامه فيقول له: انظر إلى هذه المخلوقات الغريبة، وتأملها بعينك فإن فيها أعاجيب تُتأمل.. والزعم هو القَوْلُ مِنْ غَيْرِ صِحَّةٍ وَلَا يَقِينٍ
فكلمة (زعم) تدل على عدم وجود دليل يؤكد صحة القول الوارد.
ولماذا ذكر الله زعمهم الإيمان بالكتب السابقة بعد أن ذكر أنهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنهم يملؤون الآفاق، ويسودون الإعلام والصحف الطباق بمدى احترامهم للكتب الإلهية، وحمايتهم لها، وقيامهم على أمرها، ويحاولون الكلام عن ذلك في كل مناسبة، ولكنهم يكذبون في الواقع العملي.. فهذه الصفة من علاماتهم البارزة.
المعلم الثاني: يتميزون بالإرادة الـمتجددة في التحاكم إلى الطاغوت، وهو كل مُعظم عندهم صار رمزًا للطغيان، والإعراض عن حكم الرحمن سواء أكان بشرًا أم تشريعات وتقاليد، مع أنهم يجب أن يكفروا بكل ما يضاد أمر الله في الخلق، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60].
المعلم الثالث: خرق أهم الحصون الأمنية للهوية الإسلامية بالصد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يعني أنهم يصرون على أن يصدوا الناس عن التحاكم إلى السنة، ويمنعون قيام مؤسساتها، ويظهرون محاربة التطبيق النبوي للكتاب المبين، وهذه الصفة علامةٌ ظاهرةٌ، يُبَصِّرُنا بها قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61].
المعلم الرابع: إظهار الرجوع إلى الحق عند وقوعهم في الـمصائب، مع سرد الاعتذارات عن الخيانات السابقة، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 62].
المعلم الخامس: التعامل معهم يجب أن يتسم بالحُسْن والحذر في الوقت ذاته لشدة الخبث الذي يتسم به قياداتهم، ولاستيعاب المغرر به من أتباعهم، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله جل ذكره: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] ؛ إذ لا يمكن أن يعاملوا معاملة الأعداء الصرحاء ويصعب أن يعاملوا معاملة الأصدقاء الموالين.
المعلم السادس: السنة النبوية تمثل المرجعية المركزية لإدارة شؤون الحياة.
ويُبَصِّرُنا بذلك قوله تعالى ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] ، فينبغي إحراجهم أمام الرأي العام بأن يتم كشف مدى التزامهم بالإسلام بمقياس الرجوع إلى السنة النبوية المقبولة، وأن يُحثوا إذا أظهروا ما يُعكِرُ ذلك على أن يستغفروا الله، ويطلبوا استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، ويراجعوا سنته بعد وفاته، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] ، ولاحظ أنه ينبغي أن نحثهم على أن يستغفروا الله لا أن نحرص على تفسيقهم أو تكفيرهم:
المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء