كيف تكون التوبة من عوامل نجاح الحياة على الأرض؟
27 نوفمبر، 2024
113
التوبة من أهم عوامل نجاح الحياة
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]
وردت آية توبة آدم عليه السلام في سورة البقرة في ظلال الكلام على عوامل النجاح في مهمة الاستخلاف في الأرض
لتبين أن من عوامل نجاح الحياة على الأرض العودة عن الأخطاء بتصحيحها،
فالتوبة تظل مفتوحة عند أيِّ فشلٍ مؤقَّت في المعركة مع الشَّيطان باقتراف المعصية،
فيلجأ العبد إلى الله منيبًا فيتقبَّله ربُّه ويزكِّيه بما يُعِينُه على قلب الهزيمة إلى انتصار،
ويبصِّرنا بهذا قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37].
{فَتَلَقَّى آدَمُ}، تبصِّرنا بمدى رحمة الله بالإنسانيَّة؛ إذ علَّمها ما به ترجع إليه، وتكسب رضاه
فالمعنى: فلقَّى الله آدم كلماتٍ، بأنْ علَّمه إيَّاهن ليقولهنَّ فيتوب، وهنا قرأ ابن كثير {فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ}
فالكلمات تلقَّت آدم في حمأة سقوطه المدوِّي في تلك المعصية فأنقذته،
وتكمل التَّصويرَ قراءةُ الجمهور؛ إذ تلقَّاها آدم تلقِّي إقبال، وأخذ، ومسرَّة، ولم يردَّها كما ردَّ إبليس أمر ربِّه،
ولمَّا قال تلك الكلمات فرحًا بها نادمًا على زلَّتِه {فَتَابَ عَلَيْهِ}: فتاب آدم أي: رجع عن الذَّنب على أجمل الوجوه، فتاب الله عليه، أي: رجع عليه بمحبَّته وإحسانه كأنْ لم يذنب.
{فَتَابَ عَلَيْهِ}
تبصِّرنا هذه الكلمة من خلال لفظها بكيفية قطف ثمرتها، فكلمة (تاب) توبًا وتوبة، تعني رجع رجوعًا، فإن رجعت إلى الله رجع الله إليك،
وذهب الخليل إلى أن معنى التوبة: “الاستِحياءُ”، وذهب الرَّاغب إلى تعريف التوبة على أساس أثر الاستحياء، والنَّدم، والرُّجوع فقال: “التَّوب: ترك الذَّنب على أجمل الوجوه”. “العين (8/138)، المفردات للراغب (ص169)”
{إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]
تبصِّرنا صيغ المبالغة هنا بمدى الرحمة الإلهيَّة بالحياة الإنسانيَّة؛ فـ{التَّوَّابُ} تبصِّرك بكثرة مَنْ يذنب، وكثرة ما يصدر من الذَّنب عن الواحد منهم، ولكن الله {تَوَّاب} كثير التوبة على الجميع
والنَّبيُّ يقول: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي» “الترمذي (3540)، وقال حسن غريب، وقال ابن رجب: إسناده لا بأس به”
وقَرَن اسم الرَّحيم بالتَّواب؛
لأنَّ الرَّحمة أساس التوبة، ولأن الله –تعالى مجده- لا يغفر لهم السَّيِّئات، بل يغدق عليهم بالخيرات.
#المجيدي
وسيط تفسير سورة البقرة