كيف عالجت سورة النساء إتيان الفاحشة؟
4 نوفمبر، 2022
185
سورة النساء لم تعالج إتيان الفاحشة باعتبارها جريمة لها حد، أي لها عقوبة محددة، وإنما عالجتها باعتبارها مرضًا يحتاج أصحابه إلى إعادة التأهيل، {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 15، 16] فقد ذكر الله تعالى الحقوق التي تحمي نظام الزواج من العبث وتعيد تأهيل المتجاوزين لحدود السلامة البشرية فيه.
فذكر الله في هذه الآية الكيفية المناسبة لإعادة تأهيل من يأتي الفاحشة من النساء، فمن حق المجتمع على أفراده أن تتم حمايته من انتشار الفاحشة المهددة لكيانه وسكينته، وكيف لا وهي تنافي الفطرة، وتخالف الخلقة المجبولة على إنكارها، واستفظاع شأنها حتى عند أكثر البشر بهيمية كما هو معلوم وإن كابر بعضهم.
هذه المعالجة المثمرة في سورة النساء لمن يأتي الفاحشة لا نجد مثلها في التوراة؛ إذ تحكم التوراة على من يأتي الفاحشة بالقتل فورًا.
ففي سفر اللاويين (10:20-12):
وَإِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَإِذَا زَنَى مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ. وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ أَبِيهِ، فَقَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَبِيهِ. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ كَنَّتِهِ، فَإِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. قَدْ فَعَلاَ فَاحِشَةً. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا.
وفي التثنية 22:22:
«إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْل، يُقْتَلُ الاثْنَانِ: الرَّجُلُ المُضْطَجِعُ مَعَ المَرْأَةِ، وَالمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ».
وتعالج سورة النساء هذا الموضوع لا من منطلق العقوبة الصارمة، وإنما من منطلق إعادة التأهيل، مبدأ مهم في المعالجة وفي فهمنا لإشكاليات الجمع بين الآيات؛ لأن بعض الناس عندما حاول أن يجمع بين الآيات جعل أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، الأمر ليس كذلك، الأصل إعمال القرآن، إعمال جميع آياته في جميع مناحي الحياة.
أ.د/ عبد السلام المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء