مقتطفات

لماذا قدم الله تعالى الوصية على الدين في قوله {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]؟

أ.د/ عبد السلام المجيدي


ترى في قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} تقديم الوصية على الدين، فأيهما أولى الدين أم الوصية؟
ظاهر الآية تقديم الوصية على الدين مع أن ذلك خلاف المأمور به، فعن الحارث الأعور، عن عليّ قال: إنكم تقرأون هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وإنّ رسول الله قضى بالدين قبل الوصية ،
فما المعنى الذي يريده الإمام علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؟
وكيف جاء منطوق الآية بتقديم الوصية على الدين، ومن حيث العمل تجد أمر النبي ومن بعده بإنفاذ الدين قبل الوصية، فما المعنى؟
هذا من الجمال القرآني،
من البيان القرآني الذي إذا وقف الإنسان عنده فكأنه يشرب سقيا عذبةً يتلذذ بها، فالمعنى
أن تقديم الوصية ورد في اللفظ في الذكر الحكيم،
ولكنه ليس مرادًا في العمل بدليل أنه عطف عليه بقوله ﴿أَوْ﴾
و(أو) لا تفيد الترتيب البتة،
وإنما قدمت الوصية ظاهرًا مع أنها في الحقيقة عملٌ مؤخرٌ عن الدَّين: للإيجاز مع الإعجاز، وهو إيجازٌ قائمٌ على عدم الإلغاز؛
إذ الوصية مالٌ يؤخذ بغير عوض، وعادةً يكون شاقًّا على الورثة، بعكس الدَّين فالورثة يعطونه لأنهم مضطرون،
وعادة الورثة أن يشق عليهم أن يخرجوا مقدار الوصية حسب طبيعة النفس الإنسانية التي أحضرت الشح،
ولأن النفس الإنسانية كذلك أكد الله إخراج الوصية بتقديمها على الدين مع أهمية الدين من الناحية الفعلية وتقديمه، وذلك لمعالجة النفس الإنسانية،
وتنبيهًا لنا أن الوصية في الإخراج تكون مثل الدين؛ إذ إن الدين حق لآدمي يطالب به، وكذلك الوصية بات مضمونها حقًا لجهاتٍ إنسانيةٍ أخرى، فالدين يطلبه أصحابه أما الوصية فقد يتساهل الورثة في إخراجها، ولذلك قال ﴿أَوْ﴾،
والدين تستشنع النفوس ألا تخرجه، فكذلك ينبغي أن تستشنع ألا تخرج الوصية،
والوصية مندوب إليها وليست واجبة ولكن على الإنسان أن يبادر لها ويسرع لها لتشوف الشارع لأن ينفع الإنسان نفسه بالوصية بعد الموت.

أ.د/ عبد السلام المجيدي

مفصل تفسير سورة النساء