مقتطفات

ما الدعوى الحقوقية التي تعلم الناس كيفية المرافعة؟

أ.د/ عبد السلام المجيدي

امرأة تقف محامية أمام النبي صلى الله عليه وسلم
{فإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا ولهما مال.
واعجب لهذه المرأة العظيمة، ولهذه الدعوى الحقوقية التي تعلم الناس فيها كيفية المرافعة، وتدرس العالم طبيعة عرض الدعوى: فهي لم تسكت عن حقها، ولم تجعل حزنها على زوجها يصيبها باليأس من النظر في التعامل مع الحياة، فجاءت إلى النبي وهي مطمئنة إلى أن طبيعة الإسلام تأبى الظلم..
مطمئنة إلى أن صفات الله تنافي عدم القسط في الحقوق البشرية،
مطمئنة إلى أن مؤسسة القضاء لا تظلم المستضعفين، ولا تميل مع كبراء المستكبرين، ولا يتلاعب بها أصحاب النفوذ، ثم عرضت دعواها،
فتجردت عن حظوظ نفسها، وبينت واقع بنتيها،
ونسبتهما إلى أبيهما الذي أظهر صدق بلائه في القيام على نصرة الحق حتى قدم نفسه،
ثم لم تقف عند ذلك، فنسبت المال إليهما لأنها تعلمت من الإسلام نصرة الإنسانية بعيدًا عن اعتبارات القوة والذكورة،
ثم أضافت ما يدل على استيعابها أن من أهم مقاصد الإسلام بث النوع الإنساني في الأرض، ولا سبيل لتحقيق هذا البث الإنساني إلإ بالنكاح،
وأن من أعظم الصفات الخارجية المرغبة في نكاح المرأة المال..
فتأمل كيف ربى الإسلام هذه العظيمة النبيلة من نساء المسلمين.
فقال النبي: «يقضي الله في ذلك»، واعجب لهذا التوقف من أعظم الناس علمًا على وجه الأرض؛ إذ توقف نبينا عند أمر ربه، فلم يثبت ولم ينفِ، فنزلت آية الـميراث، فبعث إلى عمهما، فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك» .

أ.د/ عبد السلام المجيدي

مفصل تفسير سورة النساء