{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء: 45]
6 مارس، 2023
526
كيف توضع الاستراتيجيات الحامية لأمن الأمة؟
المعرفة القرآنية تقدم الإنقاذ للأمة في أهم المواضيع الإستراتيجية، ومنها بيان الأعداء الذين قد يتسترون وراء الشعارات البراقة والمخادعة، فـأعداء الإنسانية لا يسمون أنفسهم بما يدل على حقيقتهم بل يظهرون غير ذلك، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله تعالى {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء: 45]
إن الله يذكرك بضرورة أن تثق بالمصدر الإلهي العليم بالواقع البشري، فالله أعلم بأعداء البشرية، فهو مصدر التقسيم العالـمي إلى أعداء وأصدقاء، وفق علمه بأحوالهم ونفسياتهم التي تخدعون في التعرف إليها:
إن الله يبين لنا هنا أنه مصدر تقسيم العالم إلى أعداء وأصدقاء، وليس أفهامنا الضائعة، وأفكارنا التائهة وسط المكر الكبار.. ماذا تظن عندما تسمع الله يقول لك {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}؟
التعبير في الآية واضح في مخاطبته لنفسك {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}.. هو تعالى جده لم ينفِ العلم عنك.. بل أثبت لك بعض العلم الذي من خلاله ستحدد أعدائك وأولياءك.. انتبه! لأنه أعلم منك بأعدائك.. ليس عندك إلا بعض الصورة، أما الله جل في علاه، فهو الذي أحاط علمًا بكل شيء، فضع الاستراتيجيات الحامية لأمنك وفق ما حدده ربك.. إن هذه الآية إشارة ضمنية إلى أن بعض الأمة سيحدث له تيه عقلي، وغزو يستهدف أفكاره، فيصنف الأعداء وفق آرائه وأهوائه وما يبدو له من كلامٍ مقابل ربما تضمن مكرًا وكيدًا، وليس وفق ما حدده الله ربه عندما ذكر المغضوب عليهم والضالين، ومن يدخل فيهم ممن اتبعوا الشهوات وأرادوا لنا أن نضل ضلالًا مبينًا.
فالله أعلم بأعدائكم فَلَا تَغْتَرُّوا بتحالفاتكم المزينة المزخرفة مع عدوٍ يتلاعب بعقولكم، فانتهوا إلى طاعتي فيما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكم، فإني أعلم بما هم عليه لكم من الغشِّ والعداوة والحسد، وأنهم إنما يبغونكم الغوائل، ويطلبون أن تضلوا عن محجة الحق فتهلكوا [1] كما يقول الطبري .
وهذه الآية أتت جوابًا لسؤال ربما نشأ عن ذكر أعداء الأمة والإنسانية السابقين وتحديد أبرزهم بدقة في الآية اللاحقة، وهذا السؤال هو ما يردده بعض المسلمين قولًا أو حالًا، ويمكن صياغته في الآتي:
إن من هؤلاء الذي جعلتهم يا الله أعداء لنا من نأنس به، ونجد عندهم مظاهر العدل في أنفسهم، ومحاولة إفشاء الحقوق لغيرهم؟ فيأتي الجواب قاطعًا: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} وذلك ليكون القرآن هو المعيار الحقيقي لكل الأمور ومنها بيان العدوات والصداقات، ووجود قلة من المنصفين لا يعني قدرتهم على التحكم بالرأي العام، ولا وصولهم إلى صنع القرار بين أقوامهم، كما قال وليد الأعظمي:
أبـكل يـوم فكـرة وعقيـدة
تغزو الحمى من تاجـر مسـتورد
يغري بها البسطـاء من أبنائنا
بالمـوبقـات وبالحسـان الـخرد
ويصدهم عـن دينهم بخـديعة
مـا شـابهتهـا حـيلة المتصيـد
نبني ويهـدم غـيرنـا بدسيـسة
شتـان بـين مـهـدم ومـشيـد
لا رأس مـال الغرب ينفعنا ولا
فـوضى شيوعـي أجـير أبـلـد
وسطًا نعيش كما يـريد إلهنـا
لا نستعـيـر مبـادئًا لا نجتـدي
قـرآن ربـك يـا محمد عـزنـا
ونظـامنا الداعي لعيش أرغـد
أ.د/ عبد السلام المجيدي
[1] تفسير الطبري ت شاكر (8/ 429).