وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13] لماذا ذكر طاعة الرسول مع أنها داخلةٌ في طاعة الله؟
3 نوفمبر، 2022
289
في هذه السورة المباركة وفي القرآن المجيد ترى الله يذكر نفسه العلية، ويذكر نبيه آمرًا بطاعته وطاعة رسوله على ثلاثة أنحاء:
الأول: الأمر بطاعة الله ورسوله بفعلٍ واحدٍ مثل هذه الآية، وذلك تأكيدًا على دخول طاعة الرسول في طاعة الله جل ذكره، وللرد على النابتة التي علم الله -تعالى مجده- أنها ستنبت منكرة للسنة، وما أكثر من يتكلم عن السنة المقبولة إما بجهلٍ وغباوة، وإما بحقدٍ؛ لأنه يعلم أنه إذا استطاع أن يطعن في السنة فإنه يلغي التطبيق الحقيقي للقرآن المجيد، وعند ذلك يلعب اللاعبون ويعبث العابثون كما يحبون.
الثاني: الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله بفعلين مثل قول تعالى جده: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59].
الثالث: الأمر بطاعة الرسول منفردًا مثل قوله جل ذكره: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56].
ومن أهم مقاصد الشكل الثاني والثالث من الأمر بطاعة الرسول :
أن يبين الله جل ذكره -بالإضافة إلى الأول- مصدرية السنة النبوية في التشريع،
ولإظهار أن الله جل ذكره فوض رسوله الله في الاجتهاد في مسائل في الحياة الإنسانية، فيجب أن تصير البشرية إلى هذا الاجتهاد؛
إذ لو كان مخالفًا للأصوب لقومه الله وسدده،
ويفصل أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ لك قصة تبين عظمة التشريع النبوي فيقول: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا.
فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ:
«أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟» قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الإِزَارِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اتَّقِ اللَّهَ.
قَالَ: «وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ»
قَالَ: ثمَّ وَلَّى الرَّجُلُ.
قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟
قَالَ: «لاَ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ؟
قَالَ رَسُولُ اللهِ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»
قَالَ: ثمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ.
فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطْبًا لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ وَأَظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ».
أ.د/ عبد السلام المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء