الدكتور جمال ياسين

تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (4)

د. جمال ياسين

المقرئ محمد بن إبراهيم السَّاودي (ت861هـ)

من قراء مدينة صنعاء

اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:

المقرئ العلامة محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد السَّاودي، جمال الدين، الخولاني، الصنعاني الشافعي.

وحُرِّف (السَّاودي) في بعض المصادر إلى (الشَّاوري). والصواب هو (السَّاودي) فإنَّ ذلك ما وجدته بخطه في نسخه لكتاب مصطلح الإشارات لابن القاصح (ت801هـ)، حيث كتب بخطه على صفحة الغلاف: “رواية مالكه الفقير إلى الله تعالى محمد بن إبراهيم السَّاودي عفى الله عنه بالإجازة”.

وكذلك كَتَبَ بخطه وقفًا على نسخة خطية لكتاب الوجيز في شرح القراءات الثمانية لأبي علي الحسن بن علي الأهوازي (ت446هـ)، وكتب اسمه عليه، وفيه “السَّاودي”.

❄❄❄❄❄❄❄

ولادته ونشأته وحياته العلمية:

ولد المقرئ محمد بن إبراهيم الساودي في صنعاء، ونشأ وتربَّى في حِجر والده، وأخذ مبادئ العلوم على والده، وعلماء عصره، كما كان أول أخذه للقراءات على والده العلامة المقرئ، وقد ذكر ذلك في إجازته لأحد تلاميذه، فقال:

“كما قرأت بجميع ذلك على سيدي والدي إمام القراء، وصدر الإقراء برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن أحمد الساودي”.

قرأ بالقراءات السبع، والحديث والنحو والأصول على جماعة من أئمة وقته، وأجازوا له، فدرَّس وتخرَّج على يده جماعة بهذه العلوم. ووفدت عليه طلبة العلم من جهات شتَّى، فأفادهم الفوائد السَّنِيَّة. وكان قد يخطب، فإذا وعظ، كان كمن لانت له صمُّ الصخور، وأذهب كلامُه كلَّ زيغ في الصدور، بلفظٍ موافق لعقيدة أهل السنَّة والجماعة.

قال البريهي: “أخبرني، وتلَّفظ لي، وأشهدني: أنه شافعيُّ المذهب، يعتقد ما يعتقده أهل السنَّة، ويخالف ما عليه أهل البدعة. وكان قد يضطرُّ إلى موافقتهم في اعتقادهم تقيَّةً منهم”.

ولـمَّا كفى الله هذا المقرئ جمال الدين شرَّ المعتزلة، قال بيتين متمثِّلًا بهما:

وإني لـَمِن قومٍ إذا لَبِس الوری *** دروعًا وجالوا في ظُبًا وأسنَّةٍ

لباسُهُم الذكرُ الكريم لِبَأْسِهِم *** فهم في حِمَی حَدَّي کتابٍ وسُنَّةِ

وكان له في علم التصوُّف مجال ممتدٌّ، ومكان معتدٌّ. وكانت طائفة من أهل وصاب، منهم: بنو البعيثي، وأهل قُطْرِهم، وجماعة من غيرهم يعتقدون أنَّه قطب الوجود، وبركة كل موجود. وكانوا يؤدون إليه زكاتهم وفطرتهم، ويأتمرون بأمره، وينتهون لنهيه، ويتبركون بمواقع أنامله.

اتَّصل المقرئ السَّاودي بالإمام الناصر بن محمد بن الناصر بن أحمد، فأكرمه، وولَّاه كتابة الإنشاء، وأمر الوقف والوصايا، ففاق أهل زمانه برسائله المبهجة، وكلامه المسجوع، ونفعَ بعلومه.

قال البريهي: “وحُكِي عنه کرامات ذكرتها في الأصل”.

صورة حديثة للجامع الكبير بصنعاء

❄❄❄❄❄❄❄

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

ترجم به البريهي في تاريخه، ووصفه بقوله: “كان وحيد عصره، ومقرئ مصره، وفريد دهره في بلده؛ لجمعه لفنون شتَّی من أنواع العلوم. اتفقوا على أنه لم يكن في زمنه بصنعاء وذمار وصعدة وغيرها من تلك الجهات العليا، مَن يماثله ويدانيه في علم القراءات السبع”.

وقال عنه الأهدل في تحفة الزمن: “ومن علماء صنعاء المقرئ، المحقق، الحافظ، محمد بن المقرئ، الحافظ إبراهيم السَّاودي، اجتمعت به في سفره للحجِّ بأبيات حسين، فرأيته عالمًا، حافظًا، صاحب فنون”.

❄❄❄❄❄❄❄

سنده في القراءات:

قرأ المقرئ محمد بن إبراهيم السَّاودي القراءات السبع على المقرئ أحمد بن محمد الأشعري، وهو على المقرئ رضي الدين أبي بكر علي بن نافع الحضرمي العمدي، وهو على شيخ قراء اليمن علي بن أبي بكر بن شداد بأسانيده، وقد سبق بيان طرق وأسانيد المقرئ ابن شداد عند ترجمته .

وللإمام السوادي إجازة خطية كتبها بخطه لتلميذه الفقيه قاسم بن أحمد بن محمد القروي الآنسي سنة 834هـ.

جاء في أولها: ” قال المقرئ الأجل محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد الساودي المقرئ: إنّ المقرئ الفقيه المحقق علم الدين قاسم بن أحمد بن محمد الآنسي قرأ عليَّ، وأخذ عني جميع القراءات السبع المشهورة في آفاق الدنيا، وأمصار الإسلام التي نقلها عيون الأمة وفضلاؤها وأفذاذها وعلماؤها، وأدُّوها إلينا غضَّة رطبة قرنًا عن قرن، وجيلًا عن جيل، حتى اتصل إسنادها برسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين، كما ينبغي أن يقرأ بها في معرفة الخلاف، وتجويد القراءة، وتحقيق الألفاظ، وإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها مراتبها على الحد المعتبر عند علماء هذا الشأن، وحفاظ كلام الرحمن، قرأه فجمع جمعًا وإفرادًا في عدة مجالس، وتكرر ختمات، كما قرأت بجميع ذلك على سيدي والدي إمام القراء، وصدر الإقراء برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد الساودي، كما قرأ والدي المذكور على شيخه المقرئ المتصدر شهاب الدين أحمد بن محمد المعروف بابن النساخ، كما قرأ على المقرئ الأجل إمام عصره، وفريد دهره، مقرئ اليمن والحجاز موفق الدين علي بن أبي بكر بن محمد بن علي البرعي المعروف بابن شداد… إلخ”. والإجازة طويلة، وقد ذكرها بتمامها شيخي وأستاذي الفاضل أ.د. عبد الله عثمان المنصوري في كتابه علم القراءات في اليمن.

صورة اللوحة الأولى من إجازة الساودي لتلميذه الآنسي في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء

❄❄❄❄❄❄❄

شيوخه وتلاميذه:

قرأ المقرئ محمد بن إبراهيم السَّاودي القراءات السبع، على كبار القراء في عصره، وهم:

1. والده المقرئ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد الساودي.

2. المقرئ صفيّ الدين أحمد بن محمد بن أحمد الأشعري.

3. المقرئ المحقق شهاب الدين أحمد بن العماد.

4. المقرئ أحمد بن محمد النساخ.

وأخذ عن المقرئ السَّاودي جمع عظيم من قراء الزمان، وقصده الطلبة من الأقطار، وممن وقفنا عليهم:

1. المقرئ مفضل بن عمران الحرازِي.

2. الفقيه علم الدين قاسم بن أحمد بن محمد القروي الآنسي.

3. المقرئ شهاب الدين أحمد البجلي ابن عبد الله بن علي الغوري.

4. محمد بن عبد الله بن الهادي الوزير.

5. ولده العلامة محمد بن إبراهيم الساودي.

6. الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى.

7. العلامة إبراهيم الكينعي.

❄❄❄❄❄❄❄

مؤلفاته وآثاره العلمية:

من مؤلفات وآثار المقرئ محمد بن إبراهيم السَّاودي التي وصلت إلينا ما يلي:

1. فكاهة البصر والسمع في معرفة القراءات السبع.

قال البريهي: “وصَنَّف في ذلك كتابًا حافلًا سماه: فكاهة البصر والسمع في معرفة القراءات السبع، وجعله في ثلاثة مجلَّدات كبار، وألف كتابًا مختصرًا في قراءة نافع وأبي عمرو”. وقد حقق الكتاب في رسالتي ماجستير في جامعة الأزهر سنة 2012م للباحثين عبد الكريم محمد حسن جبل، ورشاد محمد سالم.

2. مختصر في قراءة نافع وأبي عمرو.

وهذا المختصر مفقود.

وللمقرئ محمد بن إبراهيم السَّاودي رواية للعديد من كتب القراءات، فمما وقفت عليه ما يلي:

1. مصطلح الإشارات في القراءات الزوائد المروية عن الثقات لابن القاصح (ت801هـ):

منه نسخة خطية كتب المقرئ الساودي بخطه على صفحة الغلاف: “كتاب مصطلح الإشارات في قراءات الستة أبي جعفر يزيد بن القعقاع وابن محيصن والحسن أبا الحسن البصري ويعقوب بن إسحاق الحضرمي وسليمان بن مهران الأعمش وخلف بن هشام البزار، تأليف الإمام المقرئ أبي البقاء علي بن عثمان بن محمد بن أحمد بن القاصح العذري رحمه الله رحمة الأبرار ووقاه عذاب النار، رواية المقرئ الإمام جمال الدين علي بن محمد الرعيني عنه، رواية مالكه الفقير إلى الله تعالى محمد بن إبراهيم السَّاودي عفى الله عنه بالإجازة”.

صورة اللوحة الأولى من كتاب مصطلح الإشارات وعليها رواية الساودي

2. اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة للإمام الفاسي.

منه نسخة خطية عليها رواية الكتاب بخط المقرئ محمد بن إبراهيم الساودي، ضمت جماعة من علماء القراءات في اليمن.

وللعلامة محمد بن إبراهيم الساودي وقفيات لعدد من كتب القراءات، مما وقفت عليه وقفية لكتاب: كتاب الوجيز في شرح القراءات الثمانية أئمة الأمصار لأبي علي الأهوازي (ت446هـ).

رواية المقرئ الساودي لكتاب اللآلئ الفريدة للفاسي نسخة مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء

❄❄❄❄❄❄❄

وفاته -رحمه الله-:

انتقل المقرئ محمد بن إبراهيم السَّاودي إلى جوار ربه سنة إحدى وستين وثمانمائة.

رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين.. اللهم آمين.

❄❄❄❄❄❄❄

أهم المصادر والمراجع:

1. تاريخ البريهي الكبير (1/69-71).

2. طبقات صلحاء اليمن، البريهي (ص23).

3. تحفة الزمن، الأهدل (1/585).

4. مصادر الفكر، الحبشي (ص 28-29).

5. أعلام المؤلفين الزيدية، الوجيه (ص830)،

6. إجازة في علم القراءات، الساودي (1/ظ- 5/ظ).

❄❄❄❄❄❄❄