تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (5)
13 ديسمبر، 2022
744
المقرئ عبد الباقي العدني (ت1027هـ)
من قراء مدينة الحديدة
اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:
المقرئ عبد الباقي بن عبد الله، العَقَامِي، عفيف الدين، العدني أصلًا، الزبيدي مسكنًا، اليمني.
العَقَامِي: بفتح العين المهملة ثُمَّ القاف، نسبة لبني أبي عَقَامَة.
قال العلامة الجعدي:
“وفضائل بني أبي عَقَامَة مشهورة, وهم الذين نصر الله بهم مذهب الإمام الشافعي في تهامة، وقدماؤهم جهروا ببسم الله الرحمن الرحيم في الجمعة والجماعات, ونسبهم في تغلب”.
❄❄❄❄❄❄❄
ولادته ونشأته وحياته العلمية:
ولد العلامة المقرئ عبد الباقي العدني سنة 960هـ، ونشأ على طلب العلم، فأخذ فنون العلم عن علماء عصره، كما أخذ القراءات عن كبار القراء في عصره في مدينة زبيد، منهم المقرئ محمد الطاهر بن علي المخلص الزبيدي.
وبرز العلامة المقرئ عبد الباقي العدني في علم القراءات، وصار فيه وحيد عصره، وعديم النظير في زمانه.
وتَصَدَّرَ العلامة المقرئ عبد الباقي العدني للإقراء في زبيد، فقصده الطلبة من كل مكان، وإليه لا يزال يشتهر مسجد أبي الضياء الذي كان يدرس فيه القراءات، وهو المسجد المسمى بالعدني.
وسافر للحج في سنة 1002هـ، فقرأ في مكة المكرمة على العلامة المقرئ جمال الدين محمد بن عبد الحق السنباطي، وأجازه بالقراءات العشر.
كما أقرأ المقرئ عبد الباقي العدني أيضًا في قرية (المراوعة) في (تهامة)، وممن أخذ عليه القراءات هناك العلامة الطاهر بن محمد بن عمر الأهدل.
❄❄❄❄❄❄❄
من أسانيده في القراءات:
قرأ المقرئ عبد الباقي بن عبد الله العدني القراءات العشر على المقرئ الطاهر بن علي المخلص الزبيدي، وهو عن المقرئ شهاب الدين أحمد بن يحيى الشاوري، وهو عن المقرئ جمال الدين محمد بن أحمد مفضل الملحاني، وهو عن المقرئ محمد بن أبي بكر بن بدير، وهو عن المقرئ عبد الله بن محمد الناشري، وهو عن شيخ الشيوخ المقرئ محمد بن محمد بن محمد الجزري، وهو بأسانيده المعروفة والمشتهرة إلى القراء العشرة.
وقد ذكر العلامة اللغوي المحدِّث محمد مرتضى الزبيدي سنده في القراءات الموصل إلى المقرئ العدني، إلى المقرئ ابن الجزري، في منظومته ألفية السند، فقال:
ومنهم المقرئ إسماعيلُ
نجل محمَّد الرِّضى الأصيلُ
تِربُ التُّقى فاز بالامتيازِ
يُعرفُ في نسبته بالبازي
شيَّد من رَبع العُلا مشاعرةْ
وهُو إمام مسجد الأشاعرةْ
تلا على الأعيان والشيوخِ
بغاية الإتقانِ والرُّسوخِ
كَشَيْخِهِ الفاضلِ ذِي التَّمْكِيْنِ
شَيْخ القِرَاءَاتِ عَلَا الدِّيْنِ
ذَا عَنْ أَخِيْهِ الْكَوْكَبِ الْوَهَّاجِ
عَبْدِ الْإِلَهِ المسْنِدِ المِزْجَاجِيْ
عَنْ عَابِدِ الْإِلَهِ ذَاكَ الْعَدَنِيْ
عَنْ شَيْخِهِ المخْلِصِ ذَاكَ الْيَمَنِيْ
مُحَمَّدٍ نَجْلِ عَلِيِّ الطَّاهِرِ
عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ الشَّاوِرِيْ
عَنْ شَيْخِهِ المفَضَّلِ الملْحَانِيْ
عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ الْيَمَانِيْ
نَجْلِ أَبِيْ بَكْرٍ الْإِمَامِ ذَا عَنِ
مُحَمَّد بْنِ النَّاشِرِي الْيَمَنِيْ
عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّد بْنِ الجَزَرِيْ
بِسَنَدٍ بَيْنَ الوَرَى مُشْتَهِرِ
قال العلامة المقرئ عبد الباقي العدني:
“وقرأت على الشيخ العلامة المقرئ جمال الدين محمد بن عبد الحق السنباطي من أول القرآن إلى قوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون) ختام خمس آيات على عدد الكوفيين، وقد اجتمعت به بمكة في آخر عام اثنين بعد الألف، وطلبت منه الإجازة فأجازني وكتب لي بخطه المبارك، وهو عندي في كراسة ولله الحمد. وقال: إنَّه قرأ القراءات العشر جمعًا وإفرادً على عدة من المشايخ، أجلهم الشيخ العارف بالله تعالى أبو البقاء عبد الواحد الصندلي، وهو قرأ على عبد الحق السنباطي، أي سابق الذكر آنفًا، وقرأ السنباطي على الشيخ العلامة أحمد بن أسد الأسيوطي القارئ، على شيخ القراء والمحدثين محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي….”.
❄❄❄❄❄❄❄
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
ذكره العلامة المؤرخ أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل في أثناء ترجمته لنفسه في كتابه نفحة المندل، وكان مما قاله:
“وأخذت على شيخنا العلامة الإمام في فنه عفيف الدين عبد الباقي بن عبد الله العدني نسبًا، المقرئ في التجويد والقراءات، فقرأت عليه شرح المقدمة الجزرية للشيخ زكريا، ثُمَّ شرحها لابن الناظم، ثُمَّ “الدر المكنون في قراءة الدوري وحفص وقالون” لعثمان الناشري – قلت: والصواب للرضي أبو بكر بن عبد الوهاب الناشري – وعرضت عليه جميع القرآن العظيم لهؤلاء الثلاثة، وأتممته في أواخر شعبان من سنة 1018هـ، وبعد ذلك أخذت عليه من أول الكتاب العزيز إلى (المفلحون) جميعًا للسبعة على سبيل التبرك، وكنت قبل هذا عرضت عليه المقدمة الجزرية على حدتها نظرًا، ثُمَّ قصيدة الإمام الشاطبي المسماة بـ “حرز الأماني في السبع”، ثُمَّ قصيدته المسماة بـ “عقيلة أتراب القصائد” في الرسم كذلك، وقرأت عليه قطعة من كتاب المكرر في السبع، ونبذة من إنشاد الشريد، وغير ذلك مما لا أذكره الآن. وأمَّا مسموعاتي عليه بقراءة من يقرأ لديه في الفن الجليل فكثيرة، ثُمَّ شرعت عليه في قراءة “تخبير التيسير” للإمام ابن الجزري صاحب “الطيبة، والنشر”، وغيرهما، وناظم المقدمة السابق ذكرها في التجويد، ولعلَّ الله يمنُّ عليَّ بإتمامه، وقد كتب لي إجازة بخطه المبارك بالرواية عنه في كل ما يجوز له وعنه من المرويات، وهو إلى الآن باق يفيد الطالبين، وسَّع الله دائرة مدته، ونفعنا به وبعلومه. آمين…. “.
ثُمَّ قال – الأهدل -:
“ولي قصيدة لامية – أعني على (لا) في بحر الطويل – ضمنتها مقدمة الإمام الجزري في التجويد، وسميتها بـ ” كافي المزيد”، عرضتها على شيخي العدني المقرئ، فاستجادها، ومنها قصيدة أخرى لامية أيضًا، على نحو الأولى، سميتها: “درَّ النّظام في وقف حمزة وهشام”، نظمتها بإشارة شيخنا المذكور”.
وقال أثناء ترجمة الطاهر بن محمد الأهدل: “وأخذ في القراءات السبع على شيخنا أوحد عصره في هذا الفن عبد الباقي بن عبد الله العدني، وقد أقام عندهم بالمراوعة مرتين، لأجل قراءته عليه، وذلك من جملة سعادته، وإلا فشيخنا المذكور قل أن يخرج من بلده زبيد إلى مكان”.
وقال السخاوي في ترجمة الطاهر:
“ودخل السيد محمد بن الطاهر إلى زبيد في سنة (1021هـ) للقراءة، فقرأ على شيخ القراء عبد الباقي بن عبد الله العدني للشيخين – حمزة والكسائي – ثُمَّ لحفص عن عاصم”.
وجاء وصفه في إجازة المقرئ عبد الله بن عبد الباقي المزجاجي للمقرئ الحسين بن زيد جحاف بالقراءات العشر:
“قرأت القرآن العظيم إفرادًا وجمعًا عدة ختمات على سيدنا، ومولانا… عفيف الدين عبد الله بن عبد الباقي العدني… قال قرأت بها على شيخي ووالدي المقرئ الحافظ، شيخ الإقراء، وتاج القراء، وحيد عصره، وفريد دهره، عمدة القراء المحققين، عفيف الدين عبد الباقي بن عبد الله العدني، قدس الله روحه، ونور ضريحه، قرأت عليه بمدينة زبيد حرسها الله تعالى، وسائر بلاد الإسلام بالإيمان”.
وفي صفحة عنوان كتابه “بغية القارئ المجيد” كتب فيها: “كتاب بغية القارئ المجيد من طلاب القرآن المجيد في الأوقاف الجيدة وما أضيف إليها من فرع مزيد، تلخيص شيخنا الإمام، العالم، العلامة، الفاضل، الكامل، الحافظ، اللافظ، المقرئ بالديار اليمنية، عفيف الدين عبد الباقي بن عبد الله العدني، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه، وجعل الجنة خلده ومأواه، وأعاد علينا من بركات علومه. آمين. يا رب العالمين. وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا”.
❄❄❄❄❄❄❄
شيوخه وتلاميذه:
قرأ المقرئ عبد الباقي العدني القراءات السبع، ثم القراءات العشر، على كبار القراء في عصره، ومنهم:
1. المقرئ أحمد بن يحيى الشاوري.
2. المقرئ علي بن يحيى الأكوع.
3. المقرئ محمد الطاهر بن علي المخلص الزبيدي.
4. المقرئ جمال الدين محمد بن عبد الحق السنباطي.
5. المقرئ شرف الدين الصديق الجبجبي.
وأخذ عن المقرئ عبد الباقي العدني وانتفع به جمع عظيم من القراء والعلماء، وممن وقفنا عليهم:
1. السيد محمد بن الظاهر بن أبى القسم بن أبى الغيث.
2. العلامة أبو بكر بن أبي القاسم بن أحمد الأهدل.
3. العلامة جمال الدين محمد بن عبد الباقي المزجاجي.
4. السيد الطاهر بن محمد بن عمر الأهدل.
5. ولده المقرئ عبد الله بن عبد الباقي العدني.
6. المقرئ العلامة علي بن أبي بكر بن عمر الجمَّال.
7. العلامة أبو بكر بن عبد القادر بن علي مهير الهاملي.
8. المقرئ عفيف الدين عبد الله البصير.
9. السيد محمد بن الطاهر بن أبي القاسم الأهدل.
❄❄❄❄❄❄❄
مؤلفاته وآثاره العلمية:
مما تركه لنا المقرئ عبد الباقي العدني من آثاره العلمية ما يلي:
1. بُغية القارئ المُجيد من طلاب القرآن المَجيد في الأوقاف الجَيِّدة وما أُضيفَ إليها من فرع مَزيد.
وهذا الكتاب فرغ منه سنة 1005هـ، وهو عبارة عن تلخيص لكتاب الجامع المفيد لطالب القرآن المجيد، حيث قال المؤلف في مقدمته: “واجتهدت في تلخيصها من كتاب الجامع المفيد لطالب القرآن المجيد، تأليف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن عمر بن الورد الهلالي المذحجي الشافعي القدوسي رحمه الله تعالى”.
وقد قام بتحقيق الكتاب الباحث مختار الخضر عبد الله الرباش، في رسالة ماجستير بجامعة القاهرة، سنة 2014م.
2. منظومة لامية في أقسام المد.
وهي منظومة تتكون من (15) بيتًا، يوجد منها نسخة خطية في مكتبة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، برقم [117/80 (3)] في صفحة واحدة ملحقة، أولها:
أَيَا سَائِلِيْ عَنْ أَقْسَامِ مَدِّهم
قُلْ أَرْبَعَةٌ مَعْ عَشْرَةٍ قَد تَحَصَّلَا
فَحَجْزُكَ في أَنْتَ ائِنْ أُنْزِلَا
وَمَكِّن بريئًا والنَّبِيئِينَ مَعْ أَوَّلَا
وفي آخرها:
وَصَلِّ إِلهِي وَسَلِّمْ دَائِمًا
عَلَى المصْطَفَى المخْتَارِ مَا قَرَأَ الملا
وكتب المقرئ عبد الباقي العدني بخطه عددًا من كتب القراءات، مما وقفت عليه من ذلك كتاب: إيضاح الدرة المضيئة للإمام الناشري.
❄❄❄❄❄❄❄
وفاته -رحمه الله-:
انتقل العلامة المقرئ عبد الباقي العدني إلى جوار ربه في سنة سبع وعشرين وألف هجرية.
ورثاه تلميذه أديب الوقت وشاعره الفقيه أبو بكر بن علي مهير بقصيدة فريدة، استهلها بقوله:
أنت الغريب هنا فاشتق إلى الوطن
ما هذه الدار دار الأمن والسكن
ومنها ما ينبئ عن جلالة قدر المُرثى بعد التخلص من التزهيد في الدنيا والتحذير من عواقبها إلى ذكره بأسلوب لطيف بقوله:
مَضَـى إلى الله لم تُعلقه عاصفةٌ
منها بلوث ولا شيءٍ من الدرنِ
لم يشتغل بسوى القرآن يقرأه
دأبًا ويقرأه في الفرض والسُّننِ
زَينُ المحاريب قد زانت عبادته
فيها عباراته بالنطق واللسنِ
أَكْرِمْ بذي الصِّيت والصوت الرخيم وذي الـ
لفظ القويم وذي الإعراب في اللحنِ
رأس المشايخ في الإقراء قاطبةً
وجه الإمامة صدرُ الشام واليمنِ
علَّامة العصر مُقري العشر إنَّ له
مؤلفُ النشر في التحقيق والفطنِ
رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين.. اللهم آمين.
❄❄❄❄❄❄❄
من مصادر الترجمة:
1. نفحة المندل (1/473).
2. خلاصة الأثر (1/65، 3/478).
3. فوائد الارتحال (4/487).
4. نزهة رياض الإجازة (ص196-197).
5. تاريخ أعلام آل الأكوع (1/129).
6. زبيد مساجدها ومدارسها العلمية (ص298).