آيات عند استماع الآيات
18 ديسمبر، 2022
615
كأنك بالآيات تنزل الساعة غضة طرية في الحرم مهد الرسالة ومنطلق الأنوار ومنبع الخير ومركز المحبة والتذكار..
وتسألني: متى استحوذت علي تلك العواطف وهذا الشعور الآسر؟
وأجيبك: تغشاك هذه المشاعر حين تسمع قراءة النور العظيم الباهر بصوت الشيخ الدوسري ياسر في صلاة العشاء يوم ١٨جمادى الأولى ١٤٤
قرأ -أيده الله-من سورة المعرفة التي تسمى الأعراف، وافتتح من قول ربنا -جل مجده-: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ..} [الأعراف: 40]
ومضى يتدفق في قراءته وترتيله كالنبع الصافي ينساح على القلوب فيرويها من عطشها، فتسمع حينها ما تود ألا تنقضي معه الركعة
تسمع ما ترجو أن لا تتوقف عنده التلاوة؛ إذ يهيمن عليك جلال الآيات، والشعور برهبة المقام بين يدي رفيع الدرجات
وما زلت تسمع الآيات فترقى، وترقى
ويهيم قلبُك، وتئن -واللهِ- نفسُك عند ذلك من غير أن تتعب أو تشقى
وتجد سلطان تلك الكلمات قد هداك في ملكوت التلاوة ومعراج الآيات
حتى إذا أفضى به -ثبته الله- نورُ الصلاة، ولذة المناجاة إلى قول الملك العلي العظيم ذي القوة المتين: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50]
صدَّع بقراءته القلوب، وحرَّك بها المشاعر وهز النفوس، وأقلق ما يخفى من الضمائر
وما هو إلا بارقة لحظة حتى تسلط على السامع أزيزٌ في صدره لا يستطيع ردَّه، ووجلٌ لا يمكنه صدَّه، ورَهَبٌ لا يملك تركَه أو هدَّه.
يمتلئ الصدر بالخشية والرهبة عند سماع تلك الآيات بصوت الشيخ، فيحار القلب ويحتار..
إي والله يحتار كيف يكون موقفه بين يدي الملك الحق الجبار
وهناك هناك
تُسْلِمُ السامعَ الآياتُ إلى قول الملك ذي العرش رفيع الدرجات {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } [الأعراف: 51]
فتهجم عليه فتهجم عليه قوارع الإنذار، وسياط الرهبة وجنود الخشية تزلزل القلب زلزلة، ويكاد الجسد أن يرتجف معها لولا سكينة الصلاة، وأَمْرُ {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} [البقرة: 238]
فلا يداري المصلي نفسَه إلا بذلك النشيج الذي لا يملك كَظْمًا له ولا فيه حكمًا
ويشرق عليه من أنوار المناجاة ما لا يمكن الإفصاح عنه إلا من خلال أزيز الصدر وتتابع الآهات وفيض العبرات..
يا للجمال الذي لا يوصف!!
مرت اللحظات كأن لم نشعر بها حتى إذا انقضت الصلاة وانصرف الناس بالتسليم بقي الوجه شاخصًا نحو موضع السجود يسترق النظر نحو الكعبة ثم يرجع القهقرى ناظرًا إلى الأرض يردد: يا دليل الحائرين دلني على طريق الصادقين، وهب لي الصبر واليقين والإمامة في الدين..
اللهم لا تجعلني من الذين يقال فيهم: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا}
وطغت على النفس حين ذاك أبيات الشيخ عامر المناجي ربه، فهتفت بها الروح:
يا رب إنّي واقفٌ بالبابِ
في حسرةٍ وتَقطُّع مِمّا بي
ها قد أتيتُ إلى رحابك زائرا
متذلّلا متلفّعا بثيابي
ذنبي يلاحقني وما لي حيلة
إلا الرجا يمحو ندوبَ عذابي
في الشوق ربي لستُ موسى إذ أتى
في الوعدِ ينفح من شذى الأطيابِ
في الفقدِ ما أشبهتُ يعقوب الذي
قد عاش يرجو الوصل بعد غياب
في الصدق ما أشبهتُ أيوب الذي
في ضره يشكو من الأوصاب
حسبي بإنك خالقي متلطفٌ
بالفضل تُغدق دون أي حسابِ