هذا التعبير الدقيق هنا يعطي معاني غير المعاني التي نستلهمها من قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] ؛ إذ هذا الموضع من سورة البقرة ينص على تحريفهم لكلام الله، فذهب مجاهد إلى أن المراد بالكلم التوراة، فقال: تبديل اليهود التوراة[1] .
والأصل في التفسير عدم التكرير، فلا بد أن نفهم من هذا الموضع في سورة النساء أمورًا أخرى، فمن ذلك:
يدخل كل كلام صالح من كلام الله أو من كلام البشر حرفوه وأمالوه عن موضعه، فالعبارة القرآنية واضحة ﴿ الْكَلِمَ ﴾، وذلك أعم من التوراة، فيدخل في هذه الكلمة كل كلام حق حرف عن مواضعه، خذ نموذجًا لذلك كلمات مثل العدالة والسلام يجعلهما مجانين نبوءة هرمجدون ستارًا لكل جرائمهم التي يؤسسونها في حياتهم وتبقى بعد موتهم من مؤامراتهم على هذه الأرض، وربما هذا ما جعل «ألبرت آل غور» نائب كلينتون يقول: (بمناسبة خمسين عامًا على قيام الكيان الصهيوني، وبنبرة مألوفة من المسؤولين في الولايات المتحدة): «يشعر الأمريكيون بأن الوشائج التي تربطنا بإسرائيل أبدية، لقد مضى مؤسسو دولتنا مثلما مؤسسو دولتكم، ردحًا من الزمن في التيه بحثًا عن صهيون جديد، وكان كفاحنا، مثل كفاحكم، مع الإلهي والبشري، وقد قال لنا أنبياؤنا، وأنبياؤكم إن لديهم حلمًا، وأهابوا بنا بحلمهم، إلى هذا الكفاح من أجل العدالة والسلام» !!
فهل سرقة ثروات الشعوب والعيش على خيراتها هي العدالة، والسلام؟ هل العدالة، والسلام في إبادة الشعوب، سواء أكانوا من الفلسطينيين أم من الهنود الحمر؟
وأي إله ذلك الذي يرضى بالدمار النووي، والفرح بانتشار الاغتصاب، وبيع السلاح على ذئاب البشر، ومنع الضحية من الدفاع عن نفسه.. فقط إرضاء لأسوأ أنواع العنصرية، وجريًا وراء الأكاذيب التي يتحدث عنها مجانين النبوءات الخرافية الدائرة حول نص محرف لاغتصاب الحقوق والعيش على خيرات الشعوب.
أ.د/ عبد السلام المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء
[1] تفسير الطبري ت شاكر (8/ 432).