تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (11)
18 مايو، 2023
653
المقرئ محمد بن أحمد زايد الصنعاني (ت1339هـ)
من قراء مدينة صنعاء
اسمه ونسبه ولقبه:
المقرئ، الفقيه، العلامة، محمد بن أحمد بن حسن بن الفقيه أحمد بن سعيد بن هادي بن زايد الخولاني الصنعاني.
يرجع نسبه إلى بني زايد بن جابر بن سعيد بن وجيه. سكنوا في هجرة (العِر) بالحيمة الداخلية. وما زال بها بقية باقية، وترجع أصولهم إلى خولان الطيال (العالية)، في مأرب وصنعاء والبيضاء، وهم حاليًا جزء من بكيل. وخولان الطيال قبيلة يمنية قديمة يرى علماء الآثار أنهم شعب من شعوب اليمن القديم لمعاصرة سبأ ومعين. وعند الهمداني أنَّ خولان العالية كهلانية، وعند نشوان الحميري أنَّها قضاعية حميرية.
❄❄❄❄❄❄❄
ولادته ونشأته وحياته العلمية:
ولد المقرئ محمد بن أحمد زايد بصنعاء سنة 1272هـ، ونشأ بها، وتلقى فنون العلم فيها، فأخذ عن أكابر الشيوخ والعلماء في الجامع الكبير بصنعاء، وفي غيره من هجر العلم وزواياه، فتعلم القراءات، والنحو، والصرف، والتفسير، والحديث، والأصول، والفروع، والمنطق، وغيرها من العلوم، حتى أصبح عالمـًا فقيهًا مقرئًا، يقصده طلبة العلم من كل مكان.
كما ارتحل لتدريس ما تلقاه من العلوم في عدة مناطق يمنية، كالروضة، وعمران، وحراز، وغيرها. كما عمل مدرسًا بدار المعلمين التي أنشأها الأتراك سنة 1895م.
وطلبه الإمام المتوكل على الله لتهذيب بعض أولاده، فسار إلى (قفلة عذر) من بلاد حاشد، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى صنعاء، وقد وثق ذلك في إجازته لأحد طلابه، وهو السيد أحمد بن عبد الرحمن الشامي، بقوله: “فلما نبت بي الديار وترامت بي الأسفار، وساقني القضاء والقدر إلى الإقامة في قفلة عذر لتعليم أولاد إمام الزمان…” .
❄❄❄❄❄❄❄
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
وصفه شيخه في القراءات العشر العلامة المقرئ علي بن أحمد السدمي (ت 1364هـ) في إجازته له، بقوله: “الأريب اللوذعي النجيب، من انقادت لهمته أعناق الأتراب، وفاق عليهم بما علمه حتى ارتفع فوق السحاب، همة يا لها من همة، ورفعة يا لها من رفعة”.
وأضاف: “لقد استفدت على المشار إليه قبل التفوه بذكره أكثر مما استفاد علي، وأفادني ما لا يخطر لي على بال، مع المذاكرة في ذلك في جميع الأحوال، في البُكَر والآصال، فمع علو همته السامية ومرتبته العالية، طلب مني، وما أحق بأن أطلب منه، بأن أجيز له ما تلقنته وتفهمته حرفًا حرفًا من شيخي…” .
ووصفه تلميذه العلامة المقرئ يحيى بن محمد الكبسي (1410هـ) في رسالة كتبها إليه، بقوله شعرًا:
كما وصفه أيضًا تلميذه العلامة المقرئ علي بن عبد الله الطائفي (ت1390هـ) – في رسالة كتبها إليه – بقوله: “قدوة العلماء المحققين، عمدة البلغاء المدققين، وافتخار العلماء الراسخين، ومفيد المحصلين والطالبين، العلامة الأفضل، والفهامة الأمثل، وحید الدهر، وفريد العصر، عز الإسلام، والبدر الساري في حنادس الظلام”.
❄❄❄❄❄❄❄
سنده في القراءات:
قرأ الإمام المقرئ محمد بن أحمد زايد القراءات السبع على المقرئ جمال الهدى علي بن أحمد السُّدُمِي، وهو على المقرئ علي بن أحمد الشرفي، وهو على المقرئ عماد الدين يحيى بن هادي الشَّرْقِي، وهو على المقرئ یاقوت بن عبد الله الحبشي، وهو على المقرئ هادي بن الحسين القارني، وهو على المقرئ علي بن عثمان العجمي، وهو على المقرئ عبد الله بن محمد بن يوسف، وهو على المقرئ محمد المسمى أفندي، وهو على المقرئ أحمد المسيري المصري، وهو على المقرئ ناصر الدين بن عبد الله الطبلاوي، وهو على المقرئ القاضي زکریا بن محمد الأنصاري، وهو على المقرئ صفي الدين أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن يوسف الشهاب، وهو على شيخ شيوخ الإقراء الإمام الحجة الحافظ أبي الخير محمد بن محمد بن الجزري، وهو بأسانيده المعروفة للقراء العشرة. رحمهم الله جميعًا.
وقد نظم المقرئ محمد بن أحمد زايد سنده هذا في قصيدة جعلها في (43) بيتًا، قال فيها:
وقد وصف هذه المنظومة شيخه السدمي بقوله: “لو قيل إنَّه ما سبق إلى ما نظم أحد، لم يبعد، وما أحقه بقول الشاعر:
❄❄❄❄❄❄❄
شيوخه وتلاميذه:
تلقى المقرئ محمد بن زايد القراءات، والعلوم الأخرى على عدد من شيوخ الجامع الكبير بصنعاء، كان من بينهم:
1. المقرئ علي بن أحمد السدمي.
2. المقرئ علي بن أحمد الشرفي.
3. العلامة القاسم بن الحسين المنصور الصنعاني.
4. القاضي الحسين بن علي العمري.
5. القاضي محمد بن أحمد العراسي.
وتصدر المقرئ محمد بن زايد للتدريس في عدة مناطق، وصار له عدد كبير من التلاميذ، أنشد فيهم أبياتًا، فقال:
وفيما يلي سرد لعدد من تلاميذه الذين ذكرتهم المصادر والمراجع:
1. المقرئ يحيى بن محمد الكبسي.
2. المقرئ علي بن عبد الله الطائفي.
3. المقرئ أحمد ناصر الخولاني.
4. الفقيه أحمد بن حسين الطرماح.
5. العلامة محمد بن حسين العمري.
6. الأمير الحسن بن الإمام يحيى حميد الدين.
7. الأمير الحسين بن الإمام يحيى حميد الدين.
8. العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي.
9. القاضي عبد الله بن أحمد الرقيحي.
10. القاضي أحمد السكري.
11. ولده العلامة أحمد بن محمد زايد.
12. الفقيه علي المراصبي.
13. القاضي فضل بن علي بن عبد الله الأكوع.
14. العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامي.
15. العلامة محمد بن محمد بن يحيى زبارة.
16. المقرئ محمد بن سعد الغِراسي.
17. المقرئ الحسين بن عبد الله الديلمي.
18. العلامة محمد بن عبد الله الجنداري.
❄❄❄❄❄❄❄
مؤلفاته وآثاره العلمية:
ألف المقرئ محمد بن أحمد زايد في علم القراءات عددًا من الكتب بين منظوم ومنثور، من أبرزها:
1. الكوكب الدري شرح ناظمة الزهر:
وهو شرح جليل على المنظومة المسماة بـ (ناظمة الزهر في عد الآي) للإمام الشاطبي (ت 590هـ)، قال المؤلف في مقدمته:
“وقد وصَلَتْ إليَّ هذه المنظومة، المشتملة على عد الآي مختومة، ولم أسمع بشرح لها مذكور، ولا كتاب يحل دقائقها مسطور، غير أنّها محتاجة إلى فتح بابها، وكشف نقابها، ومعرفة رموزها وخطابها، وكلما هممت أن أعلق عليها شرحًا ثبطني قل البضاعة عن الإقدام، ومنعني عن الانتصاب في هذا المقام، وكنت كما قيل:
حتى سنح لي بعد الاستخارة، ومراجعة بعض الفضلاء، ما صمم به عزمي على الشروع في ما أردته، والإتيان على ما قصدته، وعلى المرء أن يسعى في الخير جهده، جعله الله سعيًا مقربًا إليه، وفعلَا مزلفًا لديه، وأسأله التوفيق في الأقوال والأفعال، وأن يعود على زللي بتجاوزه وغفرانه، وعلى خطلي بتلافيه وحنانه، وأن يجعلني ممن سعد بكتابه، وحظي فيه بجزيل ثوابه”.
وفي خاتمة شرحه هذا كتب أبياتًا مدح فيها ناظمة الزهر وناظمها الإمام الشاطبي، فقال فيها:
وقد قام بتقريظ كتابه الكوكب الدري عدد من كبار الشيوخ والقراء، منهم الشيخ علي بن أحمد الشرفي، أثنى على الشرح، ووصف المؤلف بأنه: “إمام علوم زاهد من ذوي القدر”.
كما أثنى على الشرح الشيخ العلامة محمد بن حسن دلال، في أبيات قال فيها:
صورة الصفحتان الأولى من الكتاب
2. منظومة الحاج في بيان ما اختلف فيه راويا نافع.
ضَمَّنَهَا ما لقالون وورش من انفراد، على أسلوب منظومة الشاطبية، وأخذ الأكثر منها بلفظه. تتكون المنظومة من (136) بيتًا. قال في مطلعها:
من المنظومة نسخة خطية سنة 1349هـ بالمكتبة الشرقية بالجامع الكبير بصنعاء، برقم (1597)، في (7) ورقات.
3. شرح منظومة الحاج في بيان ما اختلف فيه راويا نافع.
وهو شرحٌ لمنظومته السابقة. قال المؤلف في مقدمته: “… وبعد: فإنه سألني بعض إخواني الصالحين أن أجمع له مختصرًا محيطًا بقراءة الإمام نافع رحمه الله، وجعل الجنة مأواه، فأجبته إلى ذلك راجيًا لجزيل الثواب من الله الكريم الوهاب. وأنا معترف بقصر همتي عن كمال التحقيق، وقد فكرت فيما يحصل به كمال الفائدة في المطلوب، فوجدت النظم أحصر، وأخصر، وأيسر، فجعلت منظومة تكفلت بجميع ما يراد به، وضَمَّنْتُ لَكُلٍّ ما له من الانفراد، على أسلوب منظومة الشاطبي رحمه الله، وأخذت الأكثر منها بلفظه، إن كان فيما في المراد، وما لم يوجد يكن كذلك، فقد نظمته على حسب الطاقة والإمكان، ثم حللت معاني تلك المنظومة بشرح بَيِّن مختصر منتزع من كتب الأئمة عليهم السلام. وأسأل الله إخلاص القول والعمل بحوله وقوته. ورحم الله امرأً رأى فيها عيبًا فأصلحه…”.
من هذا الشرح نسختان خطيتان في المكتبة الشرقية بالجامع الكبير بصنعاء، الأولى برقم (1597)، والثانية برقم (1603)، في (28) ورقة.
صورة الصفحة الأولى من شرح المنظومة
4. منظومة رجال السند في قراءة نافع.
وقد سبق ذكرها كاملة.
من هذه المنظومة نسخة خطية في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء، في أول مجموع برقم (4).
وحقَّقّ المنظومة الأخ د.إبراهيم محمد أحمد محمد زايد، وهو حفيد المؤلف، في رسالته للماجستير (الفقيه العلامة المقرئ محمد بن أحمد زايد الصنعاني وجهوده في علم القراءات)، جامعة صنعاء، 1443هـ-2021م.
4. استدراكات على كتاب العقد الفريد والدر النضيد.
وهي تعليقات استدرك فيها المؤلف على الإمام المقرئ المفضَّل جمال الدين الملحاني (ت938هـ) في كتابه العقد الفريد والدر النضيد في رواية قالون بالتجويد.
وقد أثبت المؤلف هذه الاستدراكات في النسخة المخطوطة التي كتبها بخطه لنفسه أثناء إقامته في (قفلـة عـذر) مـن بـلاد حاشـد بـعـد أن رحـل إليهـا للتدريس والإقـراء، ولتعليم أولاد إمـام الـيمن المتوكل على الله تعالى يحيى بن محمد حميد الدين في سنة 1336هـ، ولم يكن يعرف اسم مؤلف العقد الفريد، حيث كان أول المخطوط مبتورًا، فكتب المؤلف في أول النسخة الخطية من كتاب العقد الفريد: “هذا الكتاب سماه مؤلفه العقد الفريـد والـدر النضيد في رواية قالون بالتجويد”، ثم بين سبب نسخه للكتاب، واستدراكاته عليه قائلاً: “فلما عثرت عليه قلت: هذي الضالة المنشودة، والبغية المقصودة، بعد أن سبرته فوجدته موافقاً للمرام، كافلاً بقراءة قالون على التمام، وإلا أشياء يسيرة نبهت عليها في أثناء النسخ”. ويختم كلامه بالدعاء لمؤلفه، ويذكر عدم معرفته لاسمه قائلاً: “جزى الله مؤلفه خيراً، وكان مرادي أعرف اسمه، فصادف مبتـورًا أوله، ولا أزال أسأل عنه، فالله سبحانه يرحمه ويرحمني ويجعلني ممن اعتنى بكتابه العزيز، ومن جملة حملته، إنه على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سنة 1336هـ”.
وقد استدرك المؤلف على الكتاب (۱۳) استدراكًا في (۱۳) موضعًا، وقد أشار إليها بقوله: “وإلا أشياء يسيرة نبهت عليها”. وقد حقَّقّ هذه الاستدراكات -من نسخة بخط المؤلف في حوزته- الأخ د.إبراهيم محمد أحمد محمد زايد حفيد المؤلف في رسالته الماجستير (الفقيه العلامة المقرئ محمد بن أحمد زايد الصنعاني وجهوده في علم القراءات)، جامعة صنعاء، 1443هـ-2021م.
5. استدراكات على كتاب الفوائد اللطيفة.
وهي استدراكات استدركها على العلامة المقرئ علي بن أحمد الشرفي (1319هـ) في كتابه الفوائد اللطيفة في تركيب بعض الآي على القواعد المنيفة، والتنبيه اللطيف في وقف حمزة وهشام على وجه التخفيف.
وهذه الاستدراكات موجودة بخط المؤلف على حاشية نسخة خطية من كتاب الفوائد اللطيفة، في مكتبة جامعة الملك سعود سنة 1339هـ، برقم (7750)، في (40) ورقة. وقد قام بدراسة وتحقيق كتاب الفوائد اللطيفة وحقق معه استدراكات المقرئ بن زايد الباحث ياسين يحيى محمد محمد سليمان، في رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، سنة 1437هـ.
8. تحفة الأحباب شرح منظومة هداية المرتاب.
شرح به منظومة هداية المرتاب وغاية الحفاظ والطلاب في تبيين متشابه الكتاب للإمام علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي (ت 643ﻫ).و قد بين المؤلف سبب شرحه للمنظومة في مقدمة شرحه حيث قال:
“… وبعد: فإن الاشتغال بعلم القرآن من أفضل الأعمال، وأحسن الأقوال، فكان لي رغبة في معرفة وجوهه، وتطلب الكتاب في متشابهه، فعثرت على كتاب للبناء، ولكنه مع طوله يعسر ضبطه، مع تكثير أمثاله، وبعد مدة من الزمان عثرت على منظومة في ذلك للإمام العلامة الحافظ المقرئ جمال الدين علي بن محمد بن عبد الصمد المصري السخاوي تلميذ شيخنا أبي القاسم الشاطبي – رحمه الله- فرأيتها وافية بالمراد وعذبة في الإيراد، فأردت أن أعلق عليها شرحًا…”.
فرغ منه المؤلف سنة 339هـ. ومنه نسخة خطية بخط المؤلف في حوزة إبراهيم زايد حفيد المؤلف.
❄❄❄❄❄❄❄
وفاته -رحمه الله-:
انتقل المقرئ محمد بن أحمد زايد إلى جوار الله في يوم الجمعة غرة ذي الحجة الحرام سنة 1339هـ بصنعاء. ووري جثمانه الطاهر بمقبرة مَاجِل الدِّمَّة بصنعاء.
وأرخ وفاته المؤرخ محمد زبارة في أبيات، منها:
قال إبراهيم بن زايد -حفيد المقرئ-: “وحدثني والدي – رحمه الله – بأنَّ الإمام يحيى حميد الدين – رحمه الله – عندما بلغه خبر وفاة العلامة محمد زايد قال: “رحم الله القراءات السبع”.
رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين. آمين اللهم آمين.
❄❄❄❄❄❄❄
المصادر والمراجع:
1. تحفة الإخوان، الجرافي (ص109-110).
2. نزهة النظر، زبارة (ص544).
3. مصادر الفكر، الحبشي (ص 42).
4. ابن زايد المقرئ وجهوده في علم القراءات، إبراهيم محمد زايد (ص149-163).
5. الفقيه العلامة المقرئ محمد بن أحمد زايد الصنعاني (ت1339هـ) وجهوده في علم القراءات، إبراهيم محمد أحمد محمد زايد، رسالة ماجستير، جامعة صنعاء، 1443هـ-2021م، (ص106، 112-115، 140-141).