كيف يخدعنا المنافقون في القضايا المهمة؟
15 ديسمبر، 2023
333
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} [النساء: 81]
كيف يخدعنا المنافقون في القضايا المهمة؟
تمضي الآيات القرآنية في سورة النساء في بيان بناء الحياة القائمة على القسط وأداء الحقوق ثم تقرر أساليب حماية الإنسانية من الظلم والاستعباد وتبين أهم الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية، وفي ظل هذه الاستراتيجية يتكلم القرآن عن أخطر الفئات، ثم تقرر قانونا هاما وهو أنه يجب تقديم الاستعداد القولي للالتزام بطاعة القيادة النبوية، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} [النساء: 81] ويجب الحذر من المتآمرين الذين يعملون ضد كلام القيادة النبوية،
فادعاء الاتباع والطاعة ليس دليلًا على التنفيذ والاستقامة، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله تعالى ذكره: {فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} [النساء: 81].
فبصرتنا بوجوب إظهار الطاعة باللسان، وفي الوقت ذاته كشفت بصورةٍ عجيبةٍ طبيعة النفسية الخوانة الـمتلاعبة من الـمتهربين من تبعات الواجب في حماية الديار والأوطان، وحراسة حقوق الـمستضعفين، فربما تعجب أناس، فسألوا:
كيف يمكن لأمثالهم أن يتولوا القيادة والتوجيه؟
فيأتي الجواب بأنهم كثيرًا ما يتباهون بأنهم أكثر الناس استقامة، وأعزمهم أمانة.. إنها دعاوى اللسان فقط، {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي: يقولون لك: طاعتنا لك ثابتة، وشأننا كله طاعة لك، أي: أَمْرُكَ مُطَاعٌ، فكلمة ﴿طَاعَةٌ﴾ مبتدأ لخبر محذوف فَجَعَلَ المَصْدَرَ فِي مَكَانِ اسْمِ المَفْعُولِ لِلْمُبَالَغَةِ،
وأتى بكلمة ﴿ طَاعَةٌ ﴾ مرفوعة ليبين شدة مبالغتهم وجهودهم في زعم أن طاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ثابتة لا تتغير ولا تتضاءل، بخلاف ما لو ذكرها منصوبة: طاعة لأنها تدل على وقوع الفعل. ولم يأت بها منصوبة لأنها لو كانت كذلك لكانت طاعة مرة واحدة، تتحقق مرة واحدة، أو تذهب وتعود من غير ثبات، فلما جاء بها مرفوعة دلت على الثبات، أي: طاعتنا ثابتة وراسخة، فتكشف هذه الآية أنه ينبغي تقديم الاستعداد للطاعة ممن ينتسب إلى الإسلام، وتكشف في الوقت ذاته حقيقة هذه الطاعة، فهي عبارة عن دعاوى باللسان يرمونها أمام الناس، وهي تكشف طبيعة هذه النفسية العجيبة الخوانة المتلاعبة بعقول الناس، وهذه البصيرة القرآنية تكشف بصورةٍ عجيبةٍ طبيعة هذه النفسية الخوانة المتلاعبة بعقول الناس؛ إذ يلجأ المتهربون من فريضة الدفاع عن المستضعفين إلى حيلة يلعبون بها على الناس ويتلاعبون بها بالشرع، فيزعمون التزامهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم انحرافهم عنها في المجالات المختلفة، ثم هم يرمون بكل ذلك عرض الحائط سواء أكان ذلك في المجالات الاقتصادية أو السياسية أو الشخصية، وهؤلاء ليسوا من المنافقين وهذا هو الأمر العجيب فإن الكلام عن فئة من المؤمنين.
فيجب على الذين دخلوا في الإسلام أن يظهروا الطاعة والاستسلام، وهذا الذي ظهر من قوله تعالى {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } [النساء: 81]
وينبهنا الله ضمن استراتيجية أخذ الحذر من الذين يزعمون الطاعة ثم يفعلون ما يناقضها، فيقول: {فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ} أي: خرجوا إلى البَـرازِ بالفتح وَهُوَ الفَضَاءُ مِنَ الأَرْضِ، حيث يطمئنون أنه لا يسمعهم أحدٌ من الصادقين أو من الرأي العام، فتتشوه صورتهم أمامه، أو ربما سمع تآمرهم، وأفشى لخيانتهم،
{بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} أعملت طائفة منهم فكرها في تغيير الذي تقول،
وعبَّر عن جهدهم المنظم لتغيير كلام القيادة النبوية بقوله ﴿بَيَّتَ﴾ فكل ما تم فيه إعمال فكر يقال فيه: بيت، وبيت تدل على جمال اللغة القرآنية، فهي تشير إلى الخلوة والاختلاء والبعد عن ضجيج الناس، ومن ذلك البيت حيث يختلي المرء بنفسه أو بأهله، ويأوي إلى أهله ليفعل ما لا يستطيعه بمحضر من الناس،
وتشير هذه الكلمة ثانيًا إلى تفرغ الفكر {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 6، 7]، فإذا كان في الليل فكره أقوم وأقوى وذلك لأن أنسب الأوقات لإعمال الفكر هو الليل، ففيه يتم تنظيم الأمور في الخير، أو التآمر على إيقاع السوء كما قال عبيدة بن همام:
أَتَوْنِـي فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّـتُوا،
وَكَانُـوا أَتَوْنِـي بِشَـيْءٍ نُكُـرْ
لأنْكِـحَ أَيِّمَـهُمْ مُنْـذِرًا،
وَهَـلْ يُنْكِـحَ العَـبْدَ حُرٌّ لِحُرْ؟
وقَالَ الآخر:
أَجْمَـعُوا أَمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا
أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ
والبراز والتبييت الذي يدل على الخلوة بالليل يشيران إلى التآمر.