المقالات

تفريغ حلقة:وحشان يهجمان عليك ثم يتقاتلان قبل الوصول إليك

وحشان يهجمان عليك ثم يتقاتلان قبل الوصول إليك

وحشان يهجمان عليك ثم يتقاتلان قبل الوصول إليك

تفريغ مقطع (14-6-2025)
https://youtu.be/XxDzvAzG4ws
مقدمة ودعاء

والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين. آمين.

اللهم اكتب لنا الدرس والتدريس، والتعلم والتعليم، والتفقه والتفقيه، والتذكر والتذكير، والتبصر والتبصير. انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا، واجعلنا للمتقين إمامًا. واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا أرحم الراحمين. وآتنا من فضلك ورحمتك، بفضلك ورحمتك أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين.
الإنسان وحرية الاختيار في القرآن الكريم

وبعد،

فإن الإنسان يتحرك في هذا الزمان وفق اختياراته، هو يختار الخير أو يختار الشر ويمضي. قال الله سبحانه وتعالى:

"إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا"

بحسب اختياره، إما شاكرًا وإما كفورًا.

"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"

هذا اختياره هو.

"لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ"
حكمة الله في تقديم من شاء وتأخير من شاء

ولذلك فإن ربنا سبحانه وتعالى قدم من شاء بفضله، وأخر من شاء بعدله. قال:

"لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"

قدم من شاء بفضله، أي أن الله تعالى يعينه فيقوم بالسير في عمل الصالحات، والتكفير عن السيئات، ويسير في درب رفعة الدرجات.

وأخر من شاء بعدله، أي هذا الذي أخره، اختار هو أن يتأخر. "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ".

عواقب الاختيار: أهل الجنة وأهل النار

ولذلك لما ذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب الجنة قال:

"فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ"

هل الله أجبركم على اختيار السوء وبعد ذلك عذبكم وأنتم لا تملكون حولاً، لا تملكون اختيارًا، لا تملكون قرارًا؟

"قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ"

هم الذين اختاروا ألا يكونوا من المصلين، كان بإمكانهم أن يصلوا.

"وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ"

هم الذين اختاروا ألا يطعموا المسكين، كان بإمكانهم أن يطعموا المسكين.

"وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ"

هم الذين اختاروا أن يكونوا مع الخائضين، بدلاً من أن يكونوا مع الذاكرين، الصالحين، القانتين.

قال الله جل جلاله عن أهل الجنة في مقابل ذلك:

"الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ"

هم الذين استغفروا.

أهمية ذكر الله عند الغفلة

ولذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبينًا مزية الذي يذكر الله ولا يغفل، قال:

"ما تعارّ أحدٌ من الليل"

ما تعارّ أحد من الليل، يعني فجأة كان نائم وفجأة قام، استيقظ. هنا، نسأل الله تعالى من فضله ورحمته، يظهر المجد. هنا إذا ذكر الإنسان ربه، علم مكانته. قال: فقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إذا قال هذا، كتب له من الأجر شيء عظيم. يبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. لكن الشاهد أنه هنا في موقع غفلة، فهو انتصر على هذه الغفلة.

المقصود هنا وفقنا الله وإياكم أن الإنسان هو صاحب الاختيار.

في سورة البقرة، قال:

"فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ"

بحسب اختيارك أنت،

"فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"

هم اختاروا الكفر، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اختاروا التكذيب، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، نعوذ بالله من حالهم ومصيرهم.

صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال في سورة طه:

"فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ. وَمَنْ أَعْرَضَ"

هو الذي أعرض، ما قال ومن أجبرناه على أن يعرض،

"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ"

هو الذي اختار أن ينسى، فنسيتها. في المقابل يأخذ جزاءه، وكذلك اليوم تنسى.

أمثلة من التاريخ على تدبير الله وعاقبة الظالمين

لكن ينبغي أن نذكر شيئًا مهمًا جدًا في حياتنا. قد يقول قائل: طيب نحن نرى الظالمين يظلمون، والمفسدين يفسدون، نرى الذين يسفكون الدماء ويبغون في الأرض بغير الحق، لماذا لا يعذبون؟ نحن ننسى شيئًا عظيمًا كبيرًا، وهو أن نقدر الله حق قدره. صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أن نقدر الله حق قدره، ومن قدرنا لله أن نعلم أن الكون بيده، وأنه لا يفوته شيء، وأنه لا يعجزه شيء، وأنه جل جلاله جعل آجالاً محددة لكل إنسان، ولكل دولة، ولكل بلد، ولكل أرض، ولـ... جعل آجالاً محددة، لتنتقل إلى الخير أو لتنتقل إلى السوء.

"وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"

فإذاً، قال الله:

"وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ"

أجل. "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ".

النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتيه خبيب بن عدي، يأتيه خباب بن الأرت، خباب بن الأرت، فيقول له: يا رسول الله، ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ يعني انظر ما أصابنا من قريش، كيف يفعلون بنا. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال له سأدعو لكم، ولا قال سأستنصر لكم. بل ذكر صبر السابقين على البلاء المبين، ثم قال في آخر ذلك: "ولكنكم قوم تستعجلون". يعني لكل أمة أجل. هذا الأجل من أهم سنن الخلق.
قصة كسرى وبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

فقال صلى الله عليه وآله وسلم، قال ربنا سبحانه وتعالى في سورة الأنعام، لاحظ لما تكلم عن خلق الكون، قال:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ"

المسألة بآجال.

لذلك، يحسب المرء أنه يعجز الله فيلهو ويملأ الأرض ظلمًا، يتعالى فلا يرى من يساميه، وفي الناس من هو أسمى، ويرى الناس كالدمى يستجيبون لما يبتغيه صمًا وبكمًا، ويجيء القضاء حتمًا. كم رأينا من أناس كان لهم الصولة والجولة والذهاب والإياب، فإما أن يختاروا ذلك في الخير وإما أن يختاروا ذلك في الشر. فلما اختاروا ذلك في الشر، ظنوا أنهم لن يعجزوا، ظنوا أنهم سيعجزون ربهم، وأنهم يقدرون على أن يتغلبوا على أقداره وعلى ملكه.

"وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا"

هو تحت ملك الله.

الآن يسأل بعض الناس سؤالاً فيقولون: عندما ترى أنت ذئبين جائعين متجهين نحوك يريدان أكلك، ذئبان وحشان كبيران يتجهان نحوك يريدان أكلك، جائعان، وأنت في البر وتنظر وتعلم أنك مهما أسرعت لا تستطيع الافتكاك ولا تستطيع الحراك، وهما يقتربان نحوك، فجأة سلط الله بعضهما على بعض، فقام هذا ينهش هذا وهذا ينهش هذا، فكانت الفرصة لك لتدبر أمرك. هل لابد أن تقف مع أحد الطرفين؟

هل لابد أن تقف مع أحد الطرفين يعني حتى تقول أوه والله منافق ومجرم اختلفا فيما بينهما، ما المشكلة في هذا؟ يعني لا لابد، يقول لا، هؤلاء كذا وهؤلاء كيف هؤلاء كذا وهؤلاء كذا؟ كم آذى هؤلاء من المسلمين ومن دور الإسلام وكم آذى هؤلاء من المسلمين ومن دور الإسلام؟ كل ما في الأمر أحدهما أجله قد حان، حان له شيء من العقوبة والآخر سيأتي دوره في علم الله وتدبيره.

قال الله وهو يحدثنا عن موسى عليه الصلاة والسلام:

"إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"

بعضهم قالوا: لا، ولماذا لو كان هؤلاء المجرمون المنافقون الخوارج الذين خرجوا على المسلمين فأكثروا في ديارهم الفساد، لو كان هؤلاء عذابهم على أيدي المسلمين أما كان أحسن بدلاً من أن يكون على أيدي أولئك المجرمين؟ أقول: وإذا لم يكن؟ إذا لم يحصل أن يكون عذابهم على أيدي المسلمين وإنما كان عذابهم على أيدي المجرمين؟ هذا تدبير لله سبحانه وتعالى.

طيب أنا أحدثكم عن ما حدث مما يشبه ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كان أكبر وأقوى حاكم في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يقال له كسرى، وكان قد بلغ من حكمه وقوته أن اجتاح بلاد الشام، يعني اجتاح الإمبراطورية الرومانية واستطاع أن يهزمها. ولذلك قال الله، ذكر الله هذا فقال: "غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ". هذا كسرى أرسل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمن من أرسل إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله. أرسل له عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله تعالى عنه، فبلغ تبليغًا عجيبًا لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصل إلى مناطق شاسعة وسلمه خطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه عزة الإسلام ونور الإسلام وهدى الإسلام ورحمة الإسلام. فقال فيه: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، ثم دعاه إلى الله. فأخذ كسرى الكتاب ومزقه لما قرئ عليه وترجم له، أخذه ومزقه. فبلغ ذلك، بعد أن رجع عبد الله بن حذافة وبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ مزق الله ملكه، أو قال اللهم مزق ملكه.

الآن انظر لكل، النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا، لأن بعض الناس يقول ندعو ندعو ولا يحصل، وما أدراك؟ أليس هذا ما يحدث من إجابة الدعاء؟ عندما سلط الله مجرمًا على مجرم، كم دعا المسلمون اللهم سلط الظالمين على الظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين؟

الله تعالى يقول: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ". ومن قتله؟ الآن أكمل القصة. صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ما الذي حصل؟ أخذ الأمر أجله. أرسل كسرى إلى باذان حاكم صنعاء عن كسرى، لأن صنعاء تحت احتلال الأكاسرة مثل ما هي الآن تحت احتلالهم. أرسل إلى باذان حاكم صنعاء يطلب منه أن يرسل رجلين جلدين إلى هذا الذي خرج بالحجاز ويتهدد باذان إن لم يرسل هذين الرجلين، إن لم يقم بتنفيذ المهمة. باذان أرسل قهرمانه يعني واحد من كبار رجال دولته ورجلاً آخر. طبعًا لاحظ المسافة، المسافة تأخذ من العراق إلى اليمن نحو شهرين، ومن صنعاء إلى الحجاز نحو شهر، يعني يأخذ وقت. فأرسل باذان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الآخرة من سنة سبع للهجرة. أرسل له هذين الرجلين وأرسل له كتابًا يستعلم فيه أمورًا حتى ينظر ويدرس حالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهما وهما يبلغانه الرسالة. طبعًا في رواية أخرى أنه أرسل له خمسة عشر رجلاً، يحتمل هذه الرواية الأخرى التي ذكرها الإمام البيهقي، هذه الرواية الأولى ذكرها الإمام ابن سعد. الرواية الثانية أنه أرسل خمسة عشر رجلاً، يحتمل أنه كان ضمن صحبة هذين الرجلين الكبيرين خمسة عشر رجلاً.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن عنده حرس ولا جند ولا ملك ولا قصر، بيته صلى الله عليه وآله وسلم بيت عائشة عبارة عن حجرة، قال الله:

"إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ"

حجرة، مجرد حجرة غرفة مقسمة إلى قسمين، قسم داخلي وقسم خارجي، صلى الله عليه وآله وسلم.

على الرغم من ذلك، لما وقف الرجلان ونظرا إليه، ارتعدت فرائصهما، هيبة له صلى الله عليه وآله وسلم. فكلمهما ودعاهما إلى الإسلام، فلم يجيبا. فقال لهما: اذهبا وأتياني الغد أخبركما بما أريد، أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم. أمرهما بأن يعودا من الغد، لحكمة بالغة أراد الله تعالى أن يبينها لنا. فجاءا من الغد، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أخبرا صاحبكما، من صاحبهما؟ باذان. أن ربي قد قتل ربه الليلة لسبع ساعات مضين منها. حدد بالضبط متى وقع ذلك، لسبع ساعات مضين منها. ثم قال: سلط، الآن كلمة لاحظ، ذكر بأن قال إن ربي قتل ربه، هل سلط عليه مثلاً المسلمين؟ أو سلط عليه صاعقة من السماء؟ ما سلط عليه صاعقة من السماء، وما سلط عليه المسلمين. قال بالضبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سلط عليه ابنه شيرويه فقتله. شيرويه ابن كسرى ثار على أبيه فانتهى منه، حيده على اللغة المعاصرة.

صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. طيب، الآن يأتي واحد يقول: لا، ما يصلح، في الأخير هذا كسرى يظل عابد أوثان، بينما الأخطر منه هم بنو النظير وبنو قريظة أو بنو قينقاع. الأخير صحيح، هؤلاء مجرمون وهؤلاء مجرمون، وسلط الله مجرمًا على مجرم. والله سبحانه وتعالى قد أعطى التمكين لهؤلاء وأعطى التمكين لهؤلاء، وأخبرهم بأمره. الآن لا يخفى على أحد شيء ما هو الإسلام، ما طبيعته، ما الكتاب، ما السنة. لكن أولئك الذين سيطروا على العراق، سيطروا على سوريا، سيطروا على لبنان، وسيطروا على اليمن، وما زالوا مسيطرين على بعض هذه الدول، قد أعطاهم الله تعالى التمكين وأعطاهم الأجل، فماذا فعلوا؟ ظنوا، تزينت لهم الأرض وظنوا أنهم قادرون عليها،

"حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا"

ظن أهلها أنهم قادرون عليها، سواء كانوا مسلمين أو مجرمين، سنن الله لا تحابي أحدًا. إذا المسلم ارتكب الظلم أصابه ما يحل بالظالمين عاجلاً أو آجلاً، سيأتيه ذلك في يوم لا يخلف.

قصة الحاكم بأمره العبيدي
هذا الحاكم بأمره، واحد من أعظم طواغيت العالم على مر التاريخ، اسمه الحاكم بأمره، من حكام الدولة العبيدية، التي تسمى الدولة الفاطمية، من حكام الدولة العبيدية. هذا بلغ به الإجرام شيئًا لا نظير له في الدنيا، حتى قالوا هذا مختل عقلي لا يفهم ماذا يفعل، مع أن بعضهم هذه الأيام يعبده. هذا الرجل بدأ بالحكم وهو صغير، صغير في السن، وصل إلى عمر 37، سلط الله عليه أخته فغدرت به وقتلته. وهو الذي كان بعضهم يتمثل في من حوله، في بعض من يتصل به، قال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار. أنظر الكفر.
"فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ"

سلط الله عليه أخته كما سلط على كسرى ابنه، كما سلط على هؤلاء المجرمين مجرمين كانوا متماهين معهم في إبادة المسلمين وإزهاق أرواحهم والإفساد في الأرض وتدمير بلدانهم.

قصة عبد الله بن غالب البصري والحسن البصري

نحن نرسل هذه الرسالة لهؤلاء الذين ما زالوا متكبرين مستكبرين مجرمين في بقية الأماكن والدور والبلدان والأراضي. اعتبروا،

"فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ"

فما جاء المجرمين من قبلكم سياتيكم. والله تعالى يقول:

"وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ"

ها هنا تذكر سورة النجم. قلنا ذكرنا سورة يونس عليه السلام، هنا تذكر سورة النجم. قال الله سبحانه وتعالى وأنه هو أضحك، قال عن نفسه:

"وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ"

كم رأينا من هؤلاء المقهقهين؟ بعضهم كانوا في حلب، بعض هؤلاء المجرمين الذين حيدوا، انتهى أمرهم، جاؤوا إلى حلب بعد أن دمروها وجاؤوا إلى حمص بعد أن دمروها، يختالون وهم يضحكون على رفات الأطفال والرضع والمساكين. فأخذهم الله بضربة واحدة من مجرمين أمثالهم.

"وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ. وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا"

هو جل جلاله، خلق كل شيء فقدره، وعلم مورد كل مخلوق ومصدره، وأثبت في أم الكتاب ما سطره، فلا مؤخر لما قدمه ولا مقدم لما أخره. تفرد بالعز والبقاء والملك والكبرياء، من نازعه فيهما أذله وأحقره، جل جلاله.

"وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ. وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ. وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ. وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ. وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ"

المؤتفكة قوم لوط.

"فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ. فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ"

فبأي آلاء، آلاء معناها عجائب. بعضهم يقول آلاء يعني نعم، الصحيح أن آلاء معناها عجائب، سواء كانت نعمًا أو نقمًا. "فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ". أنت تشك في قدرة ربك؟

"فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ. أَزِفَتِ الْآزِفَةُ"

أزفت الآزفة، قيل الساعة، وقيل عذاب الله عندما يأتي في وقته، وقيل أمر الله سواء كان عذابًا أو شيئًا آخر.

"أَزِفَتِ الْآزِفَةُ. لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ"

عندما يشاء الله تعالى أمرًا يتحقق، ولكن في الأجل الذي حدده، وليس في الأجل الذي يعبث به البشر.

"لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ. أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا"

قال عبد الله بن خبيق، واحد من السلف الصالح، قال: خلق الله تعالى القلوب للذكر، لأن لا تغفل، لأن لا تسجد، تغفل. خلق الله للقلوب، القلوب للذكر، فجعلها الناس مكانًا للشهوات. وإخراج الشهوة من القلوب لا يكون إلا بخوف مقلق أو شوق مزعج. عندما يذكر الله، عندما يذكر الإنسان ما ذكره الله من أخذه للقرى، هنا يقلق أن يصيبه ما أصابهم. أو عندما يذكر ما أعده الله تعالى من الملك الكبير، هذا الشوق المزعج الذي يدفع الإنسان إلى أن يبذل من الصالحات وأن يتعبد بين يدي رب الأرض والسماوات.

رفيع الدرجات ذو العرش، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده.

ومرة من المرات كان عبد الله بن غالب الحميري، هذا دعوني أختم لكم بقصة عجيبة جدًا. صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. مكن الله تعالى لرجل من كبار الحكام في منطقة الأحساء في القرن الرابع الهجري، اسمه أبو طاهر القرمطي. مكن الله له تمكينًا عظيمًا، وكانت الخلافة العباسية في أضعف أحوالها في ذلك الوقت. فتحرك بجيشه من أجل أن يظهر تكبره واستكباره وإجرامه وعلوه في الأرض، "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا". تحرك من المنطقة، من المنطقة الشرقية إلى مكة. وهناك بدأ بتصفية الحجاج. حجاج أتوا من أجل أن يحجوا البيت العتيق، أراد أن يبين أنه قادر على كل شيء، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا. أخزاه الله، ما أتفهه. قتل من الحجاج ما يزيد على عشرين ألفًا، وأبقى بعض العلماء يشهد على قتله للحجاج. وكان يقول، يردد عبارات يقول: أنا بالله وبالله أنا، أخلق الخلق وأفنيهم أنا، يخلق الخلق ويفنيهم أنا. انظر إلى الاستكبار. هذا اسمه أبو طاهر القرمطي. ثم أتى بواحد من العلماء وقال له: أنتم تقولون "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا"، يعني من دخل الحرم، "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا"، فأين الأمان؟ يعني انظر ماذا فعلت بكم. استبحناهم. فقال له، رد عليه أحد العلماء، قال: ومن دخله كان آمنًا، هو استأمنك واستأمن أمثالك لتؤمنوا الحرم، وتأمنوا من فيه. زاده الله أمانًا وشرفًا.

فـ بقي، أخذ الحجر الأسود وبقي عنده في مكانه في الأحساء أكثر من عشرين سنة. حتى دمره الله تدميرًا، وأعيد الحجر الأسود إلى مكانه بعد أن أخذ الله تعالى هذا العبد الظالم لنفسه، أبو طاهر الجنابي القرمطي.

"أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا"

اللهم أعنا على أن نسجد بين يديك. آمين.

الحسن البصري رحمه الله تعالى مرة مر على، في المسجد، الحسن البصري تعرفونه من كبار أساتذة التربية القلبية. مر على عبد الله بن غالب الحميري. عبد الله بن غالب الحميري من كبار التابعين، من كبار علماء الإسلام. وكان إذا قرأ القرآن لا يملك عينه من البكاء. هذا عبد الله بن غالب الحميري، نسأل الله تعالى أن يرزقنا لذة البكاء بين يديه. آمين. البكاء بين يديه هذا نعمة كبيرة، نعمة عظيمة، ينبغي للإنسان أن يسأل نفسه متى آخر مرة بكى من خشية الله؟ ومتى ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه؟

فكان عبد الله بن غالب يعظ أصحابه ويبكي، والناس يبكون. فالحسن تعجب من المشهد، من مما يرى من كثرة خشوعهم وتضرعهم وبكائهم. فسكت عبد الله بن غالب لما رأى الحسن. فقال له: يا عبد الله بن غالب، رفقًا بنفسك. يعني هذا البكاء الشديد وتبكي الناس، رفقًا بنفسك وبهؤلاء. يعني اذكر كرم الله وعظمته، لا تذكر فقط ما يخيف. والله تعالى يقول:

"تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ" ماذا؟ "خَوْفًا وَطَمَعًا"

فبدأ بخوفًا وطمعًا.

فقال يا عبد الله بن غالب: رفقًا بنفسك وبهؤلاء. فقال عبد الله بن غالب، أراد أن يذكرهم ويذكر نفسه ويذكر الحسن، قال له: يا حسن، ما أرى عيونهم انفقعت. يعني أنت تطلب منا، فرصة أن الله أرسل لنا لحظات بكاء، فرصة. ما أرى عيونهم انفقعت يعني من شدة البكاء حتى تقول رفقًا. ولا أرى ظهورهم اندقت يعني من شدة العبادة. حتى تطلب منا الرفق، ينبغي أن تتعظ أنت فتقول بل زيدوا من هذا المشهد.

قال: ما أرى عيونهم انفقعت ولا ظهورهم اندقت. والله يا حسن، يخاطب الحسن البصري، والله يا حسن، يأمرنا أن نذكره كثيرًا، وأنت تأمرنا أن نذكره قليلاً؟

ثم قال:

"كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ"

وقام وسجد. "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ". يعني لا تقبل من الذي يدعوك إلى الغفلة حتى ولو كان من أرفق الناس بك ومن أكثر الناس ذكرًا لله.

دعاء ختامي
فنسأل الله تعالى العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ووحدانيته أن يفرج عن عباده المستضعفين في الأرض المقدسة. اللهم اجعل لهم من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، ومن كل بلاء عافية. اللهم سلط الظالمين على الظالمين، وقوِّ المسلمين يا أرحم الراحمين. وأرنا في المجرمين أيًا كانوا عجائب قدرتك. اللهم أنزل فيهم بأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. فقطع دابرهم، فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك وسلم تسليمًا كثيرًا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدًا ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا. واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الفردوس دارنا وقرارنا. ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. آتنا الحكمة وفصل الخطاب يا كريم يا وهاب.
هيئ لهذه الأمة قادة ربانيين يا أرحم الراحمين. وآمن بلادهم يا أكرم الأكرمين. اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا، واكفنا شر الأشرار وشر الفجار وشر طوارق الليل والنهار وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين. اللهم عليك بالمجرمين المستكبرين الذين أكثروا في العراق وفي اليمن وفي الشام الفساد، خذهم أخذ القرى وهي ظالمة. اللهم عليك بالمجرمين الذين يستضعفون المسلمين في فلسطين. اللهم أنجهم، اللهم أنج عبادك المستضعفين يا أكرم الأكرمين. وخذ الظالمين وأرنا فيهم عجائب قدرتك فإنهم لا يعجزونك. إن أخذك أليم شديد.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارًا، واغفر لأهلنا وذرياتنا، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.