الإنسان الخالد في رحلة الخلود الأبدي
27 نوفمبر، 2021
2724
د. صادق محسن المسوري
يتنافس البشر على إيجاد إكسير الحياة الذي يضمن للإنسان الخلود والحياة الأبدية، وما علموا أن الله عزوجل خلقنا أصلًا للخلود الأبدي، وما هذه الحياة الدنيا إلا مرحلة من مراحل العمر الخالد والحياة الأبدية.
تبدأ رحلة الخلود بالتقاء نصفك المنوي بالنصف البويضي لتبدأ المرحلة الأولى من مراحل الخلود، (مرحلة الجنين) في بطن الأم: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: 32]، والتي قد تمتد من ٧ إلى ٩ أشهر، يتدرج فيها الإنسان إلى مراحل جزئية أيضًا: {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 5]، وفي هذه المرحلة يوجد الله عزوجل للإنسان أعضاء وأجهزة لا يستعملها في تلك المرحلة، فيتساءل الإنسان ما حاجته للبصر والسمع والأرجل والأيدي وغيرها في بطن أمه؟ ولكن عندما يعلم أنما يحضره الله عزوجل لمرحلة تالية .. وسيستخدمها حينها: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
هناك يعلم أنها ما خلقت عبثًا .. {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون: 115، 116]، ثم نخرج للدنيا لينتقل الإنسان إلى المرحلة التالية (مرحلة الحياة الدنيا)، وفي هذه المرحلة أيضًا يتدرج الإنسان في مراحل جزئية (طفولة، مراهقة، بلوغ، رجولة، ثم كهولة) {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5]، وتعتبر هذه المرحلة أهم مراحل الرحلة الأبدية؛ لأنها يُبنى عليها ما بعدها ففيها الامتحان، والبلاء، والعمل الذي يختاره الإنسان ليكون محسنًا صالحًا بنَّاءً، أو إنسانًا مسيئًا طالحًا هدَّامًا .. {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7، الملك: 2]، {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3].
و يخلق الله U لنا في هذه المرحلة شهوات، وهوى، وحبًّا للمال والراحة، وغيرها، ثم يقول لنا: لا تستخدموها إلا بما هو مشروع، وفي أضيق الأمور، ولا تكثروا من استخدامها .. لأنها خلقت لحياة أخرى، ومرحلة تالية … {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، ثم ينتقل الإنسان إلى المرحلة الثالثة: (مرحلة الموت والقبر)، والتي تُسمى أيضًا (حياة البرزخ)، وتستمر مئات إلى آلاف السنين، ولكنها تمر على بعضنا كإغفاءةٍ بسيطة بين الظهر والعصر .
ثم يأذن الله U بالبعث والخروج من القبور، ليدخل الإنسان إلى المرحلة الرابعة من رحلة الخلود: (مرحلة البعث والحساب)، لنصحو من موتتنا ويصيح بعضنا: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ فيأتيهم الجواب: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52]، وهذه المرحلة لها مراحلها الجزئية أيضًا: (بعثٌ، فحشرٌ، فحسابٌ، ثم صراط)، وتستمر بنا هذه المرحلة يومًا كاملًا (مقداره خمسين ألف سنة)؛ لذلك سميت بيوم القيامة.
لتنتهي رحلة الإنسان إلى مرحلة الخلود الأبدي في الجنة أو النار (أعاذنا الله وإياكم من النار)، لندخل المرحلة الأخيرة من مراحل الخلود (الحياة الآخرة)، وهنا يُؤْتَى بالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُنادِي مُنادٍ: «يا أهْلَ الجَنَّةِ»، فَيَشْرَئِبُّونَ، ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: «هلْ تَعْرِفُونَ هذا؟» فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنادِي: «يا أهْلَ النَّارِ»، فَيَشْرَئِبُّونَ، ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: «وهلْ تَعْرِفُونَ هذا؟» فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، فيُذْبَحُ، ثُمَّ يقولُ: «يا أهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39].
هذه هي رحلة الإنسان الخالد في الحياة الأبدية، واللبيب من أحسن ختامها.
و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.