تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (7)
29 يناير، 2023
772
المقرئ أحمد بن علي الحرازي (ت718هـ)
من قراء مدينة عدن
اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:
الفقيه، الإمام، العلامة، المقرئ، أحمد بن علي بن أحمد بن الحسن الحرازي، الزبيدي، العدني، أبو العباس، الشافعي، الملقب: صفي الدين، وشهاب الدين.
والحرازي: نسبة إلى حَرَاز، صقع متسع باليمن، يتبع الآن محافظة صنعاء، خرج منه جمع كثير من العلماء.
❄❄❄❄❄❄❄
ولادته ونشأته وحياته العلمية:
ولد المقرئ الصفي الحرازي سنة 643هـ، وكانت نشأته في مدينة عدن، وتفقه ابتداء بوالده الفقيه علي بن أحمد الحرازي، ثُمَّ تلقَّى العلوم عن كبار علماء عصره، وكان من أبرزهم الفقيه العلامة عبد الرحمن بن أبي بكر الأَبِينِي، وكان مما قرأه عليه قرأ عليه كتابيّ الوسيط والمهذب بقراءته على الفقيه العلامة مفتي اليمن أبي الحسن علي بن قاسم بن العُليف الحكمي.
ولما قدم المقرئ الفقيه عبد الله بن عمر النكزاوي الإسكندري إلى عدن تاجرًا – وكان عالمًا، عارفًا بالقراءات السبع، وله مصنف فيها يسمَّى “الكامل في القراءات السبع”، أحد أصول كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري – قرأ عليه المقرئ أحمد بن علي الحرازي القراءات السبع، من خلال طرقه في كتابه الكامل. وكان أخذه منه في مدة آخرها سنة 665هـ. وذكر الحرازي أنه قرأ عليه كتاب الموطأ برواية يحيى بن يحيى بروايته له عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري التلمساني، المعروف بابن الجرح.
كما أخذ القراءات السبع أيضًا عن المقرئ الفقيه سبأ بن عمر الدمتي، وبلغ الغاية في كل فن. فكان عارفًا بالفقه، والنحو، واللغة، والحديث، والقراءات، والأصول.
وتَصَدَّر المقرئ صفي الدين الحرازي للتدريس بالمدرسة المنصورية بعدن، وعنه أخذ كثير من الناس، وانتفع به خلق كثير من عدن وغيرها. فكان ممن أخذ عنه في القراءات السبع شيخ قراء اليمن في عصره المقرئ المحدث علي بن أبي بكر بن شداد الزبيدي، وكان يثني عليه كثيرًا. وكذلك المقرئ أبو يعقوب يوسف بن محمد الجَعْفَرِيّ الوصابي انتهت إليه رئاسة الإقراء في عصره.
وكان من تلامذته المؤرخ الفقيه بهاء الدين الجُنْدي، حيث قال أثناء ترجمته: “وعليه قرأت مقدمة طاهر بن بابشاذ الصغرى، ثم الدريدية، ثُمَّ هي مع تسميط الصغاني، ثم نظام الغريب في اللغة، ثم أسماء الأسد للصغاني، وشيئا من وسيط الفقه”.
قال الجندي: “وأخذت عليه سيرة ابن هشام، ودخل عليه في مرض موته وأنا إذ ذاك محتسب – أي قائم بوظيفة الحسبة – في عدن، فسألته أن يجيزني ويجيز ولدي يوسف في جميع ما تجوز له روايته ففعل”. وكان المقرئ أحمد بن علي الحرازي من أبرك الناس تدريسًا، قَلَّ ما قرأ عليه أحد إلا انتفع بالقراءة؛ لبركته وحسن تدريسه.
وقد شغل المقرئ أحمد بن علي الحرازي منصب القضاء في عدن، وذلك حين استمر شيخه أبو بكر بن أحمد الأديب في القضاء الأكبر.
قال الجندي: “لما وَلِيَ ابن الأديب القضاء الأكبر كتب إلى السلطان المؤيد يستشيره بمن يقضي بعدن، فألزمه أن يوليه ففعل ذلك على كره منه، فاستمر على ذلك مدة فلما مرض، استنابني في الحكم والإنكاح، وكان من أخيار الفقهاء والقضاة وسليمي الصدر فيهم، يقول الحق في الغالب”.
وسئل ذات يوم في مسألة فقهية – وفي عدن يومئذ حاكم يَدَّعي أنَّه مجتهد، وقد حكم في مسألة خلاف المذهب – فقال: أمَّا الذي نعرفه في كتبنا وأخذنا عن الشيوخ الأثبات ووجدناه في نصوص الشافعي فهو كذا وكذا، وأمَّا الذي يريده ابن فلان – يعني القاضي- فلا نعرفه. وحجَّ المقرئ صفي الدين الحرازي بيت الله الحرام قبل وفاته بأعوام.
❄❄❄❄❄❄❄
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
ترجم له تلميذه البهاء الجندي في كتابه السلوك، ووصفه بقوله: “كان عارفًا بالفقه، والنحو، واللغة، والحديث، وظاهر الأصول… وكان من أبرك الناس تدريسًا، قلَّ ما قرأ عليه أحد إلا انتفع لبركته وحسن تدريسه، وانتفع به خلق كثير من عدن وغيرها.. ومن غريب ما يذكر عنه أنه لم يعلم له صبوة”.
وترجم له الخزرجي في عقده، ووصفه بقوله: “كان فقيهًا، عالمًا، عاملًا، عارفًا، نحويًا، لغويًا، مقرئًا… وكان من أخير أهل زمانه، ويقال: إنه لم يعرف له صبوة، وكان سليم الصدر محبوبًا عند الناس”.
كما ترجم له في العقود اللؤلؤية، وقال عنه أيضًا: “كان عارفًا بالفقه، واللغة، والنحو، والحديث، وبظاهر الأصول، وكان من أبرك الناس تدريسًا، قَلَّ ما قرأَ عليه أحد إلا انتفع به لبركته وحسن تدريسه، وانتفع به خلق كثير من عدن وغيرها… وكان من خيار أهل زمانه، ومن غريب ما يذكر عنه أنه لم يعلم له صبوة”.
وترجم له ابن الجزري، ووصفه بقوله: “شيخ اليمن، إمام تَصَدَّرَ بثغر عدن”. ووصفه با مخرمة بقوله: “الإمام، العلامة، المقرئ، النحوي، اللغوي، الأصولي”. وقال بامخرمة في ترجمة شيخه النكزاوي: “فأخذ عنه – أي المقرئ النكزاوي – جماعة، منهم شيخ القراء في عصره أحمد بن علي الحرازي”.
❄❄❄❄❄❄❄
سنده في القراءات السبع:
قرأ المقرئ صفي الدين الحرازي القراءات السبع على المقرئ عبد الله بن عمر النكزاوي الإسكندري، عن الإمام المقرئ علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي، عن الإمام المقرئ أبي محمد القاسم بن فِيرُّه الشاطبي، وهو عن الإمام المقرئ أبي الحسن بن هذيل، وهو عن الإمام المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح، وهو عن الإمام الحافظ المقرئ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، وهو بأسانيده المتصلة المثبتة في تيسيره.
وقرأ المقرئ صفي الدين الحرازي القراءات السبع على المقرئ عبد الله بن عمر النكزاوي الإسكندري، وهو عن المقرئ شرف الدين أبي العباس أحمد بن سليمان يعرف بابن المرجاني المالكي الإسكندري، وهو عن المقرئ أبي محمد عبد الكريم بن عتيق الربعي يعرف بابن الشرابي الإسكندري، وهو عن المقرئ أبي يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي الأندلسي الجياني، وهو عن المقرئ والده أبي الأصبغ عيسى بن حزم، وهو عن المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح، والمقرئ أبي الحسن يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد, يعرف بابن البياز، وهما عن المقرئ الإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، وهو بأسانيده المتصلة المثبتة في تيسيره.
❄❄❄❄❄❄❄
شيوخه وتلاميذه:
تلقى المقرئ صفي الدين الحرازي القراءات وفنون العلم على كبار علماء عصره، منهم:
1. المقرئ عبد الله بن عمر النكزاوي الإسكندري.
2. المقرئ سبأ بن عمر الدَّمتي الحميري.
3. والده العلامة علي بن أحمد بن الحسن الحرازي.
4. الفقيه عبد الرحمن بن أبي بكر الهمداني الأَبْيَنِيّ.
5. الفقيه محمد بن يحيى، المعروف بأبي شعبة.
6. الفقيه إبراهيم بن إدريس السرددي.
7. الفقيه علي بن محمد بن حجر الهجراني.
8. الفقيه محمد بن أسعد المقرئ العنسي المذحجي.
9. العلامة أبو بكر بن أحمد المعروف بابن الأديب.
10. الزكي بن الحسين بن عمران، أبو الطاهر البيلقاني.
❐ وأخذ عنه وانتفع به جمع عظيم من علما الأمصار، وقصده الطلبة من الأقطار، ممن وقفنا عليهم:
1. المقرئ المحدث علي بن أبي بكر بن شداد.
2. المقرئ أبو يعقوب يوسف بن محمد الجَعْفَرِيّ.
3. المقرئ الخضر بن محمد، أبو محمد المغربي.
4. المقرئ إقبال بن عبد الله الهندي.
5. الفقيه عبد الرحمن بن علي بن سفيان.
6. الفقيه المقرئ علي بن مفلح الكوفي.
7. الفقيه محمد بن أبي بكر بن محمد التيمي الفارسي.
8. عبد الباقي بن عبد المجيد بن محمد، أبو المحاسن.
9. الفقيه محمد بن علي بن جبير.
10. الفقيه المؤرخ محمد بن يوسف، بهاء الدين الجُنْدي.
11. الفقيه العلامة عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي.
❄❄❄❄❄❄❄
وفاته -رحمه الله-:
انتقل العلامة المقرئ أحمد بن علي الحرازي إلى جوار ربه في سحر ليلة الثلاثاء، لسبع بقين من رجب سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وقبر إلى جانب قبر أبيه عند مصلى العيد.
رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين.. اللهم آمين.
وذكر ابن الجزري أنَّ وفاته كانت في حدود الثلاثين وسبعمائة.
ولما توفي المقرئ الحرازي عمل التاجر سليمان بن محمود بن أبي الفضل على قبره صندوقًا حسنًا، وكان هذا سليمان بن محمود التاجر المذكور حسن الخلق كثير الصدقة، يفعل الخير للأكابر والأصاغر عمومًا، وقل من يدخل عدن في طلب معروف إلا ويقصده، وعاجلته المنية قبل فراغ بناء المسجد، فتوفي على أحسن حال في شهر المحرم أول سنة عشرين وسبع مئة، وقبر إلى جنب قبر الحرازي المذكور، رحمة الله عليهما.
❄❄❄❄❄❄❄
أهم المصادر والمراجع:
1. السلوك، الجندي (2/425-426).
2. العقد الفاخر، الخزرجي (1/353-354).
3. غاية النهاية، ابن الجزري (1/91).
4. قلادة النحر، بامخرمة (6/102).