(تسوير السُّورَة) إعجازٌ لفظيٌّ، ومعنويٌّ فريد
31 يوليو، 2023
307
القرآن في إشراقاته المعرفية والتبصيرية لا تزال أنوار إعجازه تكشف عن محاسن تدهش أولو الألباب ومن ذلك علم التسوير المنير، فتلاحظ عند النظر المتبصر ما يأتي:
- لم يسمِّ الله -جلَّ مجده- مُنْزلُ القرآنِ السور التي تكوَّن منها القرآن المجيد فصولًا، ولا أبوابًا، ولا موضوعات.
- أهل الكتاب يقلِّدون القرآن، وليس العكس: (سانتيس بانينو) الراهب الدومينيكاني يُقَسِّم نصَّ كتابهم المقدَّس إلى آيات عام 1527م، وفي عام 1551م قَسَّم العالـِمُ الفرنسيُّ (روبير إتيان) الإصحاحات إلى أعداد، كما تعرف اليوم تقريبًا.
- العالم يجد رجلًا أمِّيًّا، هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يخبرنا بدِقَّة شديدة عن تقسيم هذا الكتاب الإلهيِّ إلى (114)، و(6236) آية، ووفق بيان دقيق لآيات كلِّ سورة.
تسوير السُّورَة لا بد له من امتياز خاص
لاحظ الطِّيبيُّ أن من منابع الإعجاز البحث عن سبب (تسوير السُّورَة) فقال: “ولهذا السِّرِّ كان التَّحدي بالسُّورَة وإن كانت قصيرة، دون الآيات وإن كانت ذوات عدد”. (فتوح الغيب 7/54)
البناء المنطقيُّ للسُّورَة وغيث المعاني المنهمر
كلُّ سورة لها شخصيتها المميزة التي لأجلها (سُوِّرت السُّورَة)، وصارت عَلَمًا على مُلْكٍ معرفي عظيم،
“وهكذا تتكشف للناظر في القرآن آفاق وراء آفاق من التَّناسق والاتِّساق…كالكائن الحي الذي تجده مميَّزًا في سماته وملامحه، وهو – مع هذا – واحد من جنسه على العموم! ونحن نرى في هذه السُّورَة – ونكاد نحس – أنها كائن حيٌّ، يستهدف غرضًا معينًا، ويَجْهد له، ويتوخَّى تحقيقه بشتَّى الوسائل.. والفقرات والآيات والكلمات في السُّورَة، هي الوسائل التي تَبْلُغ بها ما تريد!
إشراقات نظام تسمية السُّوَر القرآنيَّة
- لـمْ تأتِ تسمية كثير من السُّوَر على النَّسَق الموضوعيِّ، فلا تجد سورة تسمَّى: (العبادات، أو المعاملات، أو الصَّلاة، أو الزَّكاة، أو السِّياسيَّة، أو الاقتصاد، أو السُّنَن الكونيَّة..) إلا في سُوَر معدودة، مثل: سورة القتال، والتَّوبة.
- ولا تجد كثيرًا من السُّوَر اتخذت تسمياتٍ تاريخيَّةً، فلم تسمَّ سورة الأنفال باسم معركة: (بدر)، مع أنها تتكلَّم عنها منذ أول آية.
- ولا ترى أن تسمياتِ السُّوَر جاءت على نسقٍ واضحٍ لأسماء الرُّموز الإسلاميَّة المباشرة، مثل: أسماء المسلمين من آل البيت، وبقية الصَّحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، إلا ما ورد من تسمياتِ السُّوَر بأسماء بعض الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسلام-، على نحو يستدعي التأمُّل في التَّخصيص، مثل سورة هود -عليه السلام-، الذي لم تكن قِصَّته في سورته أكبر من قِصَّة غيره.
- تجد أسماء السُّوَر اتُّبِعَ فيه الأسلوب الرَّمزيُّ المثير للنَّظر، والتَّفكير، كالبقرة، وآل عمران، والنِّساء، والمائدة، ومن أسباب ذلك:
سبب [1]: التَّميز في تفصيل القرآن الكريم؛ إذ لم يأت وَفْقَ أساليب التَّأليف البشريَّة المعتادة.
سبب [2]: لأنَّ القرآن كتاب جمع بين خمسة مقاصد مجتمعة:
الهداية، والتربية، والموعظة، والتَّشريع، والإعجاز
ويتمُّ استخراج ذلك كلِّه بالاجتهاد البشريِّ، وَفْقَ مصادر التَّفسير المَرْعيَّة من خلال:
التَّدبُّر، والتَّفكُّر، والتَّعقُّل.
أ.د/ عبد السلام المجيدي
وسيط تفسير سورة البقرة