جنايات بحق البشرية (5)
30 مايو، 2023
359
من أعظم جنايات أهل الضلالة والإضلال في التعدي على حقوق أنفسهم وعلى سائر البشرية
بعد أن عرَّف الله جل جلاله البشرية بالجنس القيادي الذي يمنع الحقوق الإنسانية، وجعل أهم أهدافه في الحياة أن يشتري الضلالة ويعمل على إضلال العالم، فضح هنا بعض جناياتهم الكبرى التي اقترفتها قياداتهم العلمية والسياسية في حق أنفسهم والعالـم (في الآيات:47-57، من سورة النساء)، ومنها:
ذكر الله تعالى أن الجناية الرابعة قلب الحقائق بالتزكية الـمطلقة لأنفسهم، واستخدام الإعلام الـمحلي والعالـمي لإثبات ذلك بَصّرنا بذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49].
ثم بين أن الجناية الخامسة: منع الرد على المتلاعبين بالحقائق، فالآية تبصرنا بضرورة الرد عليهم لحمايتهم والبشرية من غفلتهم..
ألا ترى أن هذا يجعلنا نشعر بمقدار الإضلال الذين ينشرونه عندما لا توجد منابر للرد عليهم تبين للعالمين الحقيقة، والله يرد على تفاخرهم بأنهم أصحاب الصراط السوي، وأهل حقوق الإنسان بقوله: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 49، 50].
الرَّد الأول: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (النساء:49)، فالعبرة ليست بالدعاوى العريضة بل بالأعمال، فليذكروا أن الحكم بين الـمخلوقات مدحًا وذمًا، وتوزيع الألقاب بناء على ذلك، حق خالص لله رب الأرض والسماوات، ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾، تبصرنا بأن الله يثيب هؤلاء الذين يزكون أنفسهم من خلال طاعاتهم الصحيحة لا من خلال التفاخر بتوزيع الألقاب في العالم، فليحذروا فإن الله سيحاسبهم على ما قدموا من أعمال وما قاموا به من جرأة في ادعاء أنهم أزكياء النفس، دون أن يظلمهم أقلَّ الأشياء التي لا خطر لها، فكيف بما له خطر؟، و«الفتيل» قيل: هو ما خرج من بين الإصبعين والكفين من الوسخ، إذا فتلتَ إحداهما بالأخرى، وأصله الـمفتول، وقيل: الفَتِيلُ: مَا كَانَ فِي شِقِّ النَّوَاةِ، وَالنَّقِيرُ: النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ، وَالقِطْمِيرُ: القِشْرَةُ الرَّقِيقَةُ عَلَى النَّوَاةِ، وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ كُلُّهَا تُضْرَبُ أَمْثَالًا لِلشَّيْءِ التَّافِهِ الحَقِيرِ، أَيْ: لَا يُظْلَمُونَ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا [1].
الرد الثاني: ينبغي أن نعلم خطورة زعمهم أنهم خير الناس، وينبغي أن يدركوا خطورة تلاعبهم بالإعلام لإصباغ الشرعية لأنفسهم في أن يفعلوا ما شاءوا لأنهم الصالحون وغيرهم المجرمون، ولأنهم الذين يقومون بحقوق الإنسان وغيرهم ليسوا كذلك…ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: { انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 50]، فالتزكية الخالصة حق لمن له العلم التام، والقدرة الشاملة، والحكمة البالغة، والعدل السوي، فحقيقة الـمزكي أنه يتكلم باسم الله الـمحيط بكل شيء، هنا تعلم معنى قوله: { انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 50]، فلا يعزب عن عقل ذي تفكير أن التزكية الخالصة حق لمن له الكمال التام علمًا وقدرة وإحاطة بخلجات النفوس والقلوب.. إنه الله يزكي من يشاء بما له من العلم التام والقدرة الشاملة والحكمة البالغة والعدل السوي، فحقيقة المزكي بين يدي الله -جلَّ شأنه- أنه يتكلم باسم الله المحيط بكل شيء، هنا تعلم معنى قوله: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 50].
فتعمدهم الافتراء لتشويه الحقيقة تم بتزكية أنفسهم وتوزيع الألقاب الفخمة على بعضهم، وذلك دليل على كذبهم على ربهم، والذي يكذب على ربه أولى أن يكذب على الخلق، ويدمر حياتهم.
أ.د/ عبد السلام المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء
[1] الطبري (8/ 459)..