حماية المرأة عند التعامل معها… هل الـمعاشـــرة بالـمعــــروفأعـــم من المعاملة بالمودة؟ ما أسرار التعبير القرآني المدهش {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]؟
5 نوفمبر، 2022
778
فرض الله تعالى للزوجة على زوجها وجوب الـمعاشرة بالـمعروف الـمتعارف على حسنه ماديًّا وجسديًّا وذلك أمرٌ أعم من المعاملة بالمودة فقط، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
بعد أن نهى الأزواج عن الأمور السلبية مع النساء، وبين حقوقهن في دفع الظلم الواقع عليهم جراء الممارسات الخاطئة من قبل بعض الرجال أو بعض أفراد المجتمع أمر بالواجب لهن فقال:﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، ومعنى عاشرَه آخاه، وجعله من عشيرته، والمعنى:
ما أحببتم أن يصنعن لكم من جميل القول والفعل فاصنعوا لهن مثله بما يليق برجولتكم، كطيب الكلام، وجميل الفعال وحلو الابتسام، وتحسين الهيئة، والمداعبة المستملحة، وخفض الجناح، وإحسان الصوت والخطاب، وهذا تفصيلٌ لقوله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وترى أنه جل مجده لم يأمرك أن تعاشر امرأتك بمقتضى المودة؛ إذ قد لا تجد الحب المستولي على قلبك نحوها، وكذلك الأمر بالنسبة لها إزاء زوجها..
إنه تعالى جده يأمرك أن تعاشرها بالمعروف، وهي لفظة أوسع بكثير وأعم في الفعل الصغير والكبير من المعاملة بمقتضى المودة، وترى النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس خُلُقًا في ذلك؛ إذ يقول: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لأهْلي» .
وَكَان من أَخْلَاقِهِ أَنَّهُ جَمِيل العِشْرَة،
دَائِمُ البِشْرِ، أحسن الناس مخاطبة،
وأجملهم لأهله مداعبة، يَتَلَطَّفُ بِأهله،
ويتكلم معهم بالأقاصيص السابقة، ويذكرهم ربهم،
كما يعطيهم ما يمن الله عليه به من نفقة،
ويُضاحِك نساءَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ. قَالَتْ: سَابَقَنِي رسولُ اللَّهِ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أحملَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حملتُ اللحمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: «هذِهِ بتلْك»،
وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ العَشَاءَ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَ يَنَامُ مَعَ المَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْه الرِّداء وَيَنَامُ بِالإِزَارِ،
وَكَانَ إِذَا صَلَّى العِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُر مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤانسهم بِذَلِكَ،
وكان يستدفئ بالتي هو في بيتها، ويسارع إلى إعطائها ما أفاء الله من طعام غير ملتفت إلى ادخار،
وكان من أعذب أنواع معاشرته ملاطفته وتبسمه وعدم إظهار غضبه من أمرٍ ربما يسوء ما دام ضمن شأن الدنيا لا الدين..
فما أحلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه لا ينافي ذلك حسن عبادته، ولا جلالة خشوعه على حد قول القائل بعد أن قضوا الحج:
ولما قضينا من منى كل حاجة
ومسح بـالأركان من هـو ماسحُ
وشُدَّتْ علـى حُدْب المطايا رحالنا
ولا يعلم الغادي الذي هـو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث واشتفت
بذاك صدور مُنْضَـجَات قرائح
ولم نخش ريب الدهر في كل حالة
ولا راعـنا منـه سـنيح وبـارح
وَقَدْ قال اللَّهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].