علم الاجتماع القرآني.. ما الأسس التي تحدد لنا الصنف الذي يمنع الإنسانية من حقوقها، ويحارب الإدارة الراشدة، ويحرص على تدمير البشرية باللغو في الرسالة الإلهية؟
3 مايو، 2023
308
بعد ذكر الحقوق الإنسانية العامة والخاصة يذكر الله تعالى في المحور الرابع من سورة النساء
تعريفا بالصنف القيادي الأول الذي يمنع الإنسانية من حقوقها، ويحارب الإدارة الراشدة، ويحرص على تدمير البشرية باللغو في الرسالة الإلهية (النساء:44-46)
آيات هذا القسم:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (النساء:44-46).
حدد الله لنا الصنف القيادي الذي يتلاعب بحقوق الناس تحديدًا دقيقًا من خلال ذكر أهدافه وجنسه وصفاته، ويمكن أن نجمع هذه المعالم التي تشكل تفصيلًا مبينًا لهذا الصنف في الأسس الآتية، منها:
الأساس الحادي عشر:
من صفاتهم الأساسية أنهم يقولون: {وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: 46]
﴿وَرَاعِنَا﴾: كَلِمَةٌ تعكس سخريتهم، وتخفي قبح ثقافتهم، وانحطاط مستواهم الخلقي، وحرصهم على تدمير معالم الإيمان:
يزيدون في سفاهتهم أثناء الحديث فيقولون: ﴿وَرَاعِنَا﴾.
فهَذِهِ كَلِمَةٌ تعكس ما يجري بينهم من الهُزْءِ وَالسُّخْرِيَةِ، فنهي المسلمون عن تقليدهم في الألفاظ بطريقة التحدث، فربما ظن المسلمون ببراءتهم أن تلك الألفاظ ليس فيها سوء بينما هي تخفي قبح ثقافتهم، وانحطاط مستواهم الخلقي، وتلك اللفظة لَا يُخَاطَبُ بِها الناس من الناحية الأدبية، فتصور الأمر عندما يخاطبون بها الأَنْبِيَاء عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وهم كانوا يرددونها أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ويرددون أمثالها أمام الناس لإيهامهم أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ معنى عاديًا مثل أَرْعِنَا سَمْعَكَ، أو انتظرنا، أو أمهلنا ولكنهم كَانُوا يُرِيدُونَ سَبَّهُ بِالرُّعُونَةِ فِي لُغَتِهِمْ.. وعندما كانوا يقولون هذه الكلمة كَانُوا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ حَتَّى يَصِيرَ قَوْلُهُمْ: راعِنا رَاعَيْنَا، وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى أَغْنَامًا لَنَا، واللي هو الانعطاف والفتل، فكانوا يفتلون أشداقهم وألسنتهم عند ذِكْرِ هَذَا الكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ، كَمَا جرت عادة من يهزأ بإنسان بمثل هذا الأَفْعَالِ، ليجمعوا بين لي اللسان الذي يفعله الساخرون والمستهزئون والطعن في الدين في الوقت ذاته، ويحتمل معنى آخر هو أنهم كانوا يلوون ألسنتهم عند النطق بالكلمة ليتوهم السامع أنها عربية، وهم يريدون بها معناها العبري، فذهب بعض المحققين إلى أن كلمة «رَعْ »רע العبرية معناها: سيّء
ولوْ كنتَ بينَ قومٍ عبرانيّينَ وأرادوا أن يشيروا لك إلى شخصٍ بعينِهِ بأنه السيءُ فيهم، أو بأنهُ سيّئهم، فإنهم يقولون عنهُ: «راعينو» רענו ra`aino، ra3aino أيْ: هوَ سيئُنا.
وطعنهم في الدين بإظهار الاستهزاء والتحقير للمسلمين أمام أصحابهم لينشأوا على العنصرية المقيتة دون شعور، والتعالي وظن أن الحق معهم لا مع غيرهم، ليطعنوا في صحة دين الإسلام أمام العالم، وكَان بعضهم يَقُولُونَ لِأَصْحَابِهِمْ: إِنَّمَا نَشْتُمُهُ وَلَا يَعْرِفُ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا لَعَرَفَ ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ فَعَرَّفَهُ خُبْثَ ضَمَائِرِهِمْ، فَانْقَلَبَ مَا فَعَلُوهُ طَعْنًا فِي نُبُوَّتِهِ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّ الإِخْبَارَ عَنِ الغَيْبِ مُعْجِزٌ.
وعندما كانوا يفعلون ذلك فهم يحاولون التعالي أمام المسلمين والسخرية منهم لزلزلة الضعفاء منهم. فجمع الله جل مجده في بيان صفاتهم بين أخلاقهم المنحطة ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾، وحرصهم على تدمير معالم الإيمان ﴿وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾.