مقتطفات

لِمَ جَعَلَ الله خَاتِمَةَ الآيَةِ الحادية عشرة: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11] وَخَاتِمَةَ الآيَةِ الثانية عشرة {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12]؟

أ.د/ عبد السلام المجيدي

الجواب:
أولا- هذا للتفنن والتنويع.
ثانيا- قلِّبْ الطرف في الآيتين الحادية عشرة، والثانية عشرة لترى أنهما يمثلان كتلة متكاملة بدأت بقوله تعالى ذكره: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] وانتهت الثانية بقوله {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12].
ألست ترى أن من الحسن الجميل بعد هذا الكمال في التفصيل أن يقول لنا الملك -عزَّ جارُه-: ﴿ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ﴾، فكل ما سبق من القوانين وصيةٌ للبشرية من الله، والوصية العهد المتناقل بين الأجيال المختلفة لينتفعوا به.. وتأمل كيف يرحم الله العبد حيث لا يرحم العبد نفسه، وكيف يستره حيث لا يستر العبد نفسه، وكيف يعينه حيث ينأى عن مصلحته بجانبه، وإن كانت الوصية البشرية واجبة المراعاة، فالوصية من الله آكد وأقوى في المراعاة.
ثالثا- يمكن النظر لهذين الختامين في الآيتين بنظر آخر؛ فلَفْظُ الفَرْضِ أَقْوَى في بيان تحديد الأنصبة والتقسيم بين المستحقين، وناسب ذلك ما يتعلق بالأولاد والوالدين؛ إذ قد تأخذ المرء عاطفة البر، فيحاول أن يميل مع والديه أكثر من أولاده، والله يبين له أن هذا التقسم فريضة مفروضة أي مقطوعة قطعًا باتًّا من الله جل في علاه، وقد فرضها وفق الأسس الغائية الأولى في السورة، ومنها الحفاظ على النوع الإنساني ليتم له البث في الأرض، وحتى يحدث ذلك لا بد من إعانة الأجيال القادمة على مواجهة الحياة.. ذاك ما نستحضره في هذه السورة دائمًا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً} [النساء: 1].. أما لفظ الوصية فختمت بها هذه الآية لتناسب الكلام عن إرث الأزواج والأخوة لأم، وقد كانت الزوجات يحرمن من الإرث، وكان الأخوة لأم لا إرث لهم في النظام الجاهلي، فناسب أن يختم ذلك بلفظ الوصية الإلهية لبيان رعايتهم والاهتمام بهم، وعدم الاستنكاف عن تقديم نصيبهم في الإرث.

أ.د/ عبد السلام المجيدي

مفصل تفسير سورة النساء