ما الأشياء التي لا يجب أن نتبع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
10 ديسمبر، 2023
726
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]
هل نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء؟
————————-
بعد أن بينا في مقال سابق كيف تفنن القرآن في الكلام عن تقرير مركزية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، يمكن أن تسأل هل نتبع الرسول في كل شيء؟
حتى تكون الإجابة واضحة فلا بد أن نميز بين ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال:
النوع الأول: تصرفات تشريعية: وهي ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو للاتباع والاقتداء. وهي إما أن تكون:
تصرفاتٍ للتشريع العام: وهي تتوجه إلى جميع الأمة إلى يوم القيامة. وتكون بالتبليغ، أو بالفتيا.
وإما أن تكون تصرفاتٍ للتشريع الخاص: وهي مرتبطة بزمان أو مكان أو أحوال أو أفراد معينين، ولا تتوجه إلى الأمة كافة، وسماها بعض العلماء التصرفات الجزئية أو الخطاب الجزئي. ويندرج تحتها التصرفات بالقضاء، والتصرفات بالإمامة، والتصرفات الخاصة.
فمعظم ما يبلغه الرسول بقوله وفعله إما أن يكون توقيفيًا وإما أن يكون توفيقيًا، وكلاهما تبليغ عن الله باعتباره صلى الله عليه وسلم رسولًا؛ فالوحي لا يقره على اجتهادٍ ربما كان الأصوب في غيره، وبذا وجبت طاعته في الأمرين معًا من حيث إنه رسول، ويحدث الله عنه قوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50]، بل عد السَّرَخْسِي الحنفي ذلك جزءًا من البيان القرآني فقال: «وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَأْمُورا بِالبَيَانِ للنَّاس قَالَ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقد علمنَا أَنه بَين للْكُلّ، وَمن وَقع لَهُ العلم ببيانه أقرّ، وَمن لم يَقع لَهُ العلم أصر»، ويبين لنا عبد الله بن عمرو ذلك فيقول: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: أنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق» ، وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا. قال: «إني لا أقول إلا حقًّا» .
النوع الثاني: تصرفات غير تشريعية: وهي تصرفات لا يقصد بها الاقتداء والاتباع، لا من عموم الأمة، ولا من خصوصهم، مثل التصرفات الجبلية، والتصرفات العادية، والتصرفات الدنيوية التي لا تظهر قرينة على الاقتداء بها، والتصرفات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل في التصرفات غير التشريعية ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الدنيا التي تعتمد على التجربة والخبرة ومن أبرز الأدلة التي تبين بناء المنهج التجريبي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ». فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ في الأُنْثَى فَيَلْقَحُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَظُنُّ يُغْنِى ذَلِكَ شَيْئًا». فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فإني إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلاَ تؤاخذوني بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فإني لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ» .
وعن رَافِع بْن خَدِيجٍ قَالَ: قَدِمَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ». قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ. قَالَ: «لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا». فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ رَأْىٍ؛ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» .. وتصريح هاتين الروايتين بأن نهيه صلى الله عليه وسلم قائم على الظن يظهر شذوذ الجزم الوارد في رواية حَمَّاد بْن سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ». قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ؟». قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» .
فالمراد بوضوح ما يرجع إلى اكتشاف السنن وفق المنهج التجريبي لا أن الدنيا منفصلة عن الدين، فهو كلام عن الدنيا بالمعنى الخاص الذي طلب فيه السير في الأرض والاكتشاف، وقريب من هذا الحديث حديث أبي قتادة بحديث طويل في نومهم عن صلاة الفجر وفيه: « فقال بعضهم لبعض: فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون؟ إن كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم به، وإن كان شيء من أمر دينكم فإلَيَّ»، قلنا: يا رسول الله، فرطنا في صلاتنا. فقال: «إنه لا تفريط في النوم وإنما التفريط في اليقظة، وإذا سها أحدكم عن صلاته فليصلها حين يذكرها» .
المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء