ما الأشياء التي يجب أن نأخذ بها عند المعالجة السياسية للتعامل مع المنافقين والمرجفين؟
18 ديسمبر، 2023
1053
{وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81]
ما الأشياء التي يجب أن نأخذ بها عند المعالجة السياسية للتعامل مع المنافقين والمرجفين؟
القرآن يذكرنا بالأمور المهمة عند التعامل مع القضايا السياسية والأمنية، فمثلا يذكر لنا هنا قانونا في التعامل الصائب المثمر، فيوجب اللجوء إلى الله -جل في علاه- عند المعالجة السياسية للتعامل مع الأدعياء والمتثاقلين عن الطاعة النبوية، فأخذ الحذر منهم لا يعني القدرة على الإحاطة بمؤامراتهم، كما يجب أن يتم الإعراض عنهم بعدم إسناد المناصب الحساسة لهم، ويُبَصِّرُنا بذلك قوله تعالى ذكره: {وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81].
ففي هذا حث شديد للقيادات المجتمعية سواء أكانوا في أعلى المستويات أم كانوا من القائمين على المهمات التنفيذية، أم كانوا من القيادات الشعبية أن يلجأوا إلى الله ليوفقهم لحماية الأمن العام من الفئات المتلاعبة التي تتآمر في الليالي المظلمة والزوايا المعتمة، فأخذ الحذر منهم لا يعني القدرة على الإحاطة بمؤامراتهم، فمن الذي يحيط بمؤامراتهم؟ إنه الله عزَّ وجلَّ، وقوله ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ تتضمن طمأنة المؤمنين الذين يلجأون إلى رب العالمين، وتهديد المتآمرين على تغيير كلام القيادة النبوية، فالله يعلم ما يضمرون ويحيط بما عليه يجتمعون ويتآمرون، وهذه الجملة العجيبة تحتم على المؤمنين الحذر، كما تدلهم على ضرورة عدم الغفلة من الرجوع إلى الله، واللجوء إليه لإحباط مؤامرات المتآمرين.
ومع اللجوء إلى الله انظر الأمر بعدها ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾، وهذا الأمر ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ يعطي مجالًا واسعًا للتعامل مع الفئات المختلفة منهم، كفئة المنافقين مثلًا، فتعني عدم إتاحة الفرصة لهم لتسويق ترهاتهم، وعدم إتاحة الفرصة لهم ليكونوا في المناصب الحساسة، وخاصة المناصب التوجيهية، فإياك أن توليهم المناصب التعليمية، المناصب التثقيفية، المناصب الإعلامية، فمعنى أعرض عنهم هنا: هي حرمانهم من المناصب، وبعض هذه الفئات قد يكونون من ضعفاء المسلمين فلا بد من الإعراض عنهم بسترهم وعدم فضحهم؛ إذ ذلك طريقٌ لاستدرار توبتها ورجوعها إلى ربها، ومعنى ذلك ألا يلجأ إلى عقوبتهم أو تعزيرهم إلا عند ظهور إفسادهم العلني الواضح، وكذلك فإن كلمة ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ تبصرنا في الوقت ذاته بعدم إتاحة الفرصة لهم لنشر ترهاتهم في الوسائل الإعلامية أو التعليمية أو الثقافية، ولا تقام عليهم الأحكام القضائية إلا عند وجود ما يقابل الخيانة العظمى البينة.
ويُبَصِّرُنا قوله تعالى ذكره: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81] بضرورة الاتصال الدائم بالله خاصة في معالجة الأمور السياسية والإدارية؛ لأن من أساليب المنافقين الخطيرة أن يحاولوا إظهار أنهم متعاطفون مع قضايانا الإنسانية، فيتساهل المسلمون في إقامة شعائرهم الدينية بغية تألفهم.
نقاش مهم لقول بعض المفسرين: هذه الجملة المحكمة نسخت بالأمر بجهاد المنافقين.
وهنا يمكنك أن تسجل أن استحواذ فكرة النسخ على بعض علمائنا -رحمهم الله- جعلهم يزعمون أن هذه الجملة المحكمة نسخت بالأمر بجهاد المنافقين، وفوق ذلك حاول الفخر الرازي الرد، فرد ردًا زاد من وهج قول القائلين بالنسخ فقال: «قَالَ المُفَسِّرُونَ: كَانَ الأَمْرُ بِالإِعْرَاضِ عَنِ المُنَافِقِينَ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 73] وَهَذَا الكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الأَمْرَ بِالصَّفْحِ مُطْلَقٌ فَلَا يُفِيدُ إِلَّا المَرَّةَ الوَاحِدَةَ، فَوُرُودُ الأَمْرِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالجِهَادِ لَا يَكُونُ نَاسِخًا له»… وأنت ترى أن النسخ هنا بمعناه الأصولي غير وارد، وأما بمعناه العربي الذي فهمه الصحابة فنعم، إذ آية جهاد المنافقين مكملة لآية الإعراض عنهم، بل موضحة لها.