ما الاستراتيجية التي لا يتم السلام في العلاقات إلا على أساسها؟
9 أكتوبر، 2023
460
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ (النساء:71)
بعد تقديم سورة النساء المعارف الهادية للبشرية في مجالات الحقوق العامة والحقوق الخاصة بالفئات المستضعفة وبعد فضح المتلاعبين بها ثم بيان أسس الإدارة الراشدة التي تسهم في أداء الحقوق وإنصاف المستضعفين وإنقاذ الحضارة من أعداء الإنسانية جاءت الآيات (71-104) من سورة النساء ببيان المحور الحقوقي الأمني المذهل الذي يبين الله فيه أن السلم والسلام أساس العلاقات الداخلية والدولية في التعامل مع الآخرين؛ وليتم ذلك لا بد من تطبيق الاستراتيجية الأمنية العسكرية التي سماها الله عزَّ وجل (أخذ الحذر)؛ ونسج القرآن خطوطها ودوائرها بصورة مذهلة؛ فإن المجتمع الضعيف الرخو من الناحية الأمنية يكون فريسة سهلة للمجرمين في داخله، والطامعين المعتدين من خارجه، وهؤلاء الأشرار غالبًا ما يكونون من البخلاء الحسدة ذوي الأفعال الأنانية الذين يعبدون شهواتهم ومصالحهم الذاتية في داخله أو خارجه.
ولبيان أهمية استراتيجية (أخذ الحِذر) في صنع الأمن الداخلي، والسلام الخارجي نجد أن:
بث الحياة الإنسانية يقتضي الاستقرار والإعمار، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا اعتمد على صنع الأمن الداخلي والسلام الخارجي، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا وفق هذه الاستراتيجية الكبيرة (أخذ الحِذْر) فإنها تعني الاستعداد الأمني والعسكري بالقوة البشرية والتسليحية والمخابراتية على أوسع نطاق.
وتسير بك الآيات سيرا علميا مقننا فتحثك بداية على:
الاستعداد لبذل النفس في سبيل التضحية لأجل المبادئ الحقة (في سبيل الله) ومن ذلك الدفاع عن المستضعفين، ثم التحذير من مس أي جهة ترفع راية السلام وتكف اليد، ولا يمكن للعدو الشرس أن يذعن للسلام إلا عندما يعلم قوة خصمه.. لا يمكن للذئب الجائع الغادر أن يكون حكيمًا؛ فيكف عن اعتدائه إلا عندما يعلم أن الطرف الآخر لديه الاستعداد للدخول في معركة ذات خطورة شديدة على الطرفين ، وقد ألف (إدوارد لتواك EDWARD N. LUTTWAK ) كتابه العسكري المهم: (الاستراتيجية: منطق الحرب والسلام STRATEGY: THE Lصلى الله عليه وسلمGIC صلى الله عليه وسلمF WAR AND PEACE)، ومن أبرز ما يقابلك فيه في أول الفصل الأول قوله:
إن كنت تريد السلام فاستعد للحرب if yصلى الله عليه وسلمu want peace, prepare war» هنا ينقلنا الله -عزَّ جارُه- إلى أهم الاستراتيجيات التي تبني المجتمع الحقوقي في المدينة النبوية باعتبارها أهم ميادين تطبيق تأدية الأمانات إلى أهلها، وإقامة العدل في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يتم حمايتها من التحالف السيء الذي قام بين من يشترون الضلالة وينشرون الضلال في العالم وبين الذين يتحاكمون إلى الطاغوت ممن ينتسب إلى المسلمين، وهي أهم الاستراتيجيات التي تبني المجتمع الحقوقي: إنها استراتيجية إشاعة السلام مع العالـم التي تستلزم تطبيق استراتيجية أخذ الحذر، واستراتيجية نصرة الـمستضعفين (النساء:71-104).
إن الإسلام جاء لحماية الإنسانية، وللمحافظة على الأمن القومي، ونصرة المستضعفين في الأرض، ولأجل ذلك أقام الله جل ذكره عددًا من الخطط الاستراتيجية الأساسية في المجالات الأمنية والعسكرية، وهذا الترتيب يليق بالأمة التي أخرجت لتكون خير أمة للناس بنشرها للعدل ومحاربتها للظلم، وحماية الإنسانية من الهجمات الخارجية والداخلية من مجموعات الشر الذين يتربصون بها السوء، وقد بين الله أسس الاستقرار في الأمة من خلال المصادر التشريعية والرقابية والقضائية في المحاور السابقة، فكان لا بد من ذكر ما يتعلق بحفظ الأمن الداخلي والخارجي، وقد قيل بأن الإِسْكَنْدَر قال لحكماء الهِنْد: أَيهمَا أفضل العدْل أم الشجَاعَة؟ فقالوا: لو عدل ما احتاج إلى الشجاعة ، وهذا غير صحيح؛ فإن العدل لا بد له من قوة تحميه، العدل هو الأصل لكنه يضيع دون قوة، وهنا نعلم لماذا جاء الكلام عن إدارة الملف العسكري والأمني في البشرية بعد الكلام عن الحكم بالعدل، وجعل الله رأس الكلام عن الملف الأمني استراتيجية أخذ الحذر.
ثم جاء التفصيل المدهش لهذه الاستراتيجية في الآيات عبر الأقسام التالية:
القسم الأول: الذي بين أن أهم استراتيجيات صنع الأمن المجتمعي والسلام العالمي: استراتيجية (أخذ الحذر) لحماية الـمجتمع من الشرور والأخطار الخارجية، والداخلية (النساء:71-73).
ثم جاءت الأقسام ألأخرى لتذكر مبادئها
ففي القسم الثاني: ذكر استخدام الخيار العسكري عند الحاجة إليه لحماية المستضعفين، و لصناعة حالة (توازن قوى) وجاهزية الردع (النساء:74-76).
القسم الثالث: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: إعلان أن الأصل في الإسلام السلام (كف اليد)، وعدم الدخول في مواجهات غير متكافئة، والسلام يقتضي المواجهة عندما تكون متحتمة أمام الاستكبار المعتدي (النساء:77-79).
القسم الرابع: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: تطبيق قوانين توازن الردع لضبط مجالي الأمن والخوف من خلال طاعة القيادة النبوية مطلقًا، والاستنباط من التدبر القرآني وفق الفهم النبوي (النساء:80-87).
القسم الخامس: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: إلقاء السلم، وكف الأيدي، وعدم التعاون مع المعتدين(النساء:88-91).
القسم السادس: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: حفظ الدماء الإنسانية وحراستها من أهم دلائل الإيمان، والتحذير من التفريط فيها تحت ذريعة التطبيق للسياسة الأمنية أو العسكرية (النساء:92-94) .
القسم السابع: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: تعظيم مكانة الـمجاهدين القائمين على حراسة الجانب الأمني، والحفاظ على حقوق الـمستضعفين (النساء:95-96) .
القسم الثامن: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: تعظيم مكانة المهاجرين في سبيل الله إلى أرضٍ تحفظ فيها الكرامة الإنسانية وفق النظام الإلهي (النساء:97-100) .
القسم التاسع: من مبادئ استراتيجية صنع الأمن المجتمعي، والسلام العالمي: الصلاة، فهي من أهم الدعائم الأمنية وهي أهم مقومات البث الإنساني، والعبودية الصادقة، والجمع بينها وبين سياسة أخذ الحذر (النساء:101-104).
ويأتي تفصيلها في المقالات القادمة إن شاء الله