ما سر التعبير بقوله يصدون عنك فلم يقل يصدون عما أنزل الله؟
10 سبتمبر، 2023
515
قال الله تعالى {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61] ولم يقل: يصدون عما أنزل الله..
لأنهم يتشدقون بأنهم يعرفون كتاب الله.. لكنهم يريدون تفسيره بأهوائهم، فيصدون عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وصدَّه عن الأمر يعني منعه، وصرفه، وردعه، وقريب من ذلك: صدّ من الشّخص ضجَّ وأعرض كما في قوله تعالى ذكره: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]؛ لأنهم يريدون إثارة الضجيج للصد عن حقائق التوحيد.
فكلمة ﴿صُدُودًا﴾ تدل على أنهم يصرفون الناس عن التحاكم إلى السنة النبوية، ويمنعونهم، ويردعونهم
وقوله ﴿عَنْكَ﴾ يدل على شدة بغضهم للسنة، وطعنهم فيها، ولذا أكد ذلك بقوله ﴿صُدُودا﴾، كما أن هذا التأكيد له فائدة أخرى: أن صدودهم صار عظيمًا فيدخل فيه إعلانهم له، وتبجحهم بهذا الصدود.
فانظر كيف اختزلت هذه الكلمة مشاهد تصرفاتهم المختلفة في الحرب المسعورة التي يشنونها لمن يتحاكم إلى السنة النبوية،
وأكد صدهم بقوله: ﴿صُدُودًا﴾؛ ليدخل فيه كل أنواع الصدود بما في ذلك إنشاء مؤسسات تشوه وتشوش السنة النبوية، والتطبيق النبوي للقرآن الكريم… أهؤلاء وقر الإيمان في قلوبهم؟ من أجل ذلك كان أعظم ما تميز به الأنصار رضاهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وإقبالهم عليه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ فَقَالَ: «أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ». فَقَالُوا لاَ إِلاَّ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ ابْنَ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ». فَقَالَ «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّى أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ. أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ» .
﴿يَصُدُّونَ عَنْكَ﴾ من أجل ذلك يستبين المؤمنون الحقيقيون بمدى بحثهم عن التطبيق النبوي للقرآن الكريم وليس بمدى تفسير القرآن الكريم بأهوائهم وشهواتهم..
وبلغت حساسية الصحابة في تتبع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفتها وتطبيقها حدًا تعلم منه لماذا كانوا الأعلى شأنًا في عالمهم، فعن ابن عباس قال: استوى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة فقال للناس: اجلسوا فسمعه ابن مسعود وهو على باب المسجد فجلس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تعال يا ابن مسعود»
المجيدي
مفصل تفسير سورة النساء