المقالات

ما علاقة الآية الرابعة والثمانين من سورة النساء ﴿فقاتل…﴾ بما قبلها من آيات؟

أ.د/ عبد السلام المجيدي

الاتصال المحكم بين الآيات

وجه العلاقة بين الآية الرابعة والثمانين من سورة النساء ﴿فقاتل…﴾ بما قبلها من آيات

مما استقر في أصول الفهم للقرآن أن الاتصال بين الآيات بناء حكم متين يشع أنوارا تضيء للعالمين،

فمثلا الفاء في قوله ﴿فقاتل﴾ تشير إلى ارتباط جاد، مع أن المرء ربما استبعد الارتباط بسبب فحوى الآية:

فقد بين الله جل جلاله فيما سبق ضرورة الحفاظ على الأمن من خلال استراتيجية أخذ الحذر من انتشار الدعايات الإعلامية المضللة، والشائعات السيئة في مجالي الأمن والخوف، وحذر من التلاعب بالقوانين والنظم، بالموافقة عليها ظاهرا ومخالفتها واقعا، ونبه إلى العناصر التي تحرف كلام القيادة النبوية، ولإشغال المجتمع عن انتشار الدعاية المضللة الخارجية والداخلية، ولإبعاد الأفراد عن التربية الغالية والمنحرفة يبين الله ضرورة التربية على الأمرين معا: الاستعداد العسكري، والتعبئة العامة، وإظهار الرغبة في السلام في الوقت ذاته؛ لأن إشاعة السلام مقصود أصلي من مقاصد الإسلام؛ ولعل هذا أوضح درجات الاتصال بين آية التعبئة القتالية: ﴿فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين﴾ (النساء: 84) وآية الشفاعة {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} [النساء: 85]، وكذلك آية مقابلة التحية بمثلها {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]، بل إنك من خلال هذا الفهم تدرك سبب ما قد تظنه إقحاما لهاتين الآيتين في هذا الموضع، فلم يذكرا مثلا في سورة الحجرات، أو في أواخر سورة الفرقان، والإقحام قد يقول به المرء مندهشا؛ إذ ما قبلهما في التعبئة القتالية وما بعدهما في ظروف مماثلة وهو قوله تعالى جده: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} [النساء: 88]، وأما آية التوحيد والمحاسبة وهي قوله تعالى ذكره: {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا} [النساء: 87] فلا يستغرب مجيئها عند ذكر أي جانب من جوانب التشريع الإيمانية أو الشعائرية أو التجارية الاقتصادية أو التعاملية أو الاجتماعية أو السياسية أو الجنائية؛ إذ هي تحكم ذلك كله.

ويزيد الأمر وضوحا التشوف الشديد للبحث عن السلام مع الأطراف الأخرى مما سيرد في القسم الآتي مباشرة حيث يقول الله جل مجده: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} [النساء: 90].


الكلمات المفتاحية: ما علاقة الآية الرابعة والثمانين من سورة النساء ﴿فقاتل...﴾ بما قبلها من آيات؟