أعظم أدلة الربوبية والألوهية
4 أغسطس، 2021
684
لعل الإنسان يسأل نفسه مع انتشار المادية وتطاول الإلحاد وبث شبه الإنكار والطغيان، أين الدليل على وجود الله تعالى واستحقاقه للعبودية واختصاصه بالحمد؟ ولكنه سوف يتفاجأ عندما يجد الإجابة في الآية الثانية من الفاتحة (رب العالمين)، فهذه الكلمة أساس البراهين على صدق الربوبية، ودليل على خرافة الشرك والإلحاد، فأعظم أدلةِ ألوهيته ووحدانيته واستحقاقه الحمد أنه ربُّ العالمين أي مُرَبي الكون، وكل ما ذُكِر من أدلة ربوبيته في القرآن الكريم فهو تفصيلٌ لهذا الدليل، كالأدلة التي ساقها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- على النمرود.
هذا الاسم المبارك (رب العالمين) يُعرِّفك بالله من خلال مخلوقاته، فمخلوقاته هم (العالَـمون)، وهم عبارةٌ عن كلِّ موجودٍ سوى اللَّه تَعَالَى، وهو اسمٌ لأصناف الأمم، وكل صنفٍ منها عالَـمٌ، وأهل كلِّ قَرْنٍ من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان، فالإنس عالَم، وكل أهل زمان منهم عالمُ ذلك الزمان، والجنُّ عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنسٍ منها عالَـمُ زمانه، وهذه بعض العوالم المنظورة أو المعروفة، فكم يوجد من عوالمَ إذن؟ فإذا أضفت إليها غير المعروفة فكم تصبح؟
وهنا تدرك عمق الإقناع الذي أوتيه موسى -عليه السلام- مما حكاه الله تعالى عنه في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون} [الشعراء: 23 – 28].
العالمون – كما يقول التفتازانيّ فِي «حاشية الْكَشَّافِ»-: اسمٌ “لِكلِّ جنسٍ يُعلَمُ به الخالقُ”، إن كلَّ ذرةٍ مخلوقةٍ في الكون دليلٌ قائم بذاته على الله تعالى.. وليظهر لك ذلك تعال معي في رحلةٍ قصيرة في هذه القصة المثيرة: إنها قصة عالَـم كامل ٍمذهلٍ يختبئ في جزء غير منظورٍ في جسم الإنسان.. إنها قصة عالَـم الـشريط النووي الوراثي (DNA).. ولتتخيل ذلك خذ المعلومات الأولية الآتية:
يتكوّن جسم الإنسان من 100 تريليون خلية حية تقريبًا، والتريليون يساوي مليون مليون.. كل منها تحتوي على نواة تتحكم بالخلية، ومركز تحكم النواة عبارة عن46 كرموسوم، يتكون كلّ منها من شريطين مَجْدُولَين من المركبات الكيميائيّة.. يسميان “الحمض النووي الوراثي” DNA.
تأمل المفاجأة المدهشة لو تمّ فرد هذه الشرائط للخلية الواحدة لبلغت مترين.. لو تم فرد شرائط DNA الموجودة في كلّ خلية من خلايا إنسان واحد فقط وتوصيلها معا، لصارت كافية للتوصيل بين الأرض والشمس 133مرة، علما بأن المسافة بينهما تساوي 147.6 مليون كيلومتر تقريبًا!
انظر للعدد الهائل الذين يُكَوِّنون (العالمين) الموجودين فقط في (نواة) لخلية ضمن 100مليون مليون خلية تكون جسم الإنسان فمن أبدعها؟ ومن سواها؟ ومن برمجها؟ إنهم جميعًا أدلة محسوسة على {رب العالمين}.. إن هذا الشريط النووي الوراثي المسمى (DNA) يحمل توقيعًا مؤكدًا على أن له مصممًا عالمًا قادرًا خبيرًا سميعًا بصيرًا هو رب العالمين.. وهذا الاستنتاج ليس من عندنا مع اعتزازنا به بل هو ثمرة كتاب (توقيع في الخلية) للدكتور ستيفن ماير.
ذكر لي أحد الوزراء مرة أنه كان مشاركًا في مؤتمر، وعلى هامش المؤتمر قابل أحد أعضاء الوفد الياباني، فأخبره أنهم يعبدون في اليابان ثمانية آلاف إله، فأجابه الوزير المسلم: لكننا نعبد إلهًا واحدًا.. فسأله الياباني سؤالًا حاسمًا: ما دليل الوحدانية؟.. قال لي الوزير: فبهتُّ لأنني ينبغي أن أقدم له دليلًا واضحًا قاطعًا.. واستعرضت دراستي الشرقية، ودراستي في الولايات المتحدة لأقدم إجابةً سريعة تقطع قول كل خطيب، فارتبكت.. قلت له: يظهر لي أن سورة الفاتحة تقدم لنا إجابة حاسمة: {رَبّ الْعَالَمِينَ} إنها الكلمة التي تختصر لك كل البراهين والدلائل.. وتقطع كلام كل متطاول.. إنها تحسم القضية مع كل متفاخر بالإلحاد الخرافي.. فمهما قال من يعبد عما يعبده.. تقول له: أنا أعبد رب من تعبده أنت.
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]. إن الله يبين لك الدليل الذي لا يمكن النزاع حوله لاستحقاقه أن يكون الإله الحق، وسواه لا يمكن أن يكون ذلك لأنه {رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
ولذا قال علماؤنا عن الله: هو (واجب الوجود)، وهذه عبارة محكمة منهم، وهي تعني: بأنه عَلَمٌ على واجب الوجود الجامع لصفات الألوهيّة، وقولهم: (واجبُ الوجود) أي أنه لا يمكن تَصَوُّرُ الكون المخلوق من دونه، فكلمة {رب العالمين} تردُّ على الملحدين، إن كلَّ ذرةٍ من الوجود تشهد بذلك، كما قال ابن عطاء –رحمه الله-: “كيف يُعرف بالمعارف من به عُرِفَتْ المعارف!! أم كيف يُعْرف بشيءٍ من سبق وجودُه وجودَ كلِّ شيء!!”.
انظر هذه الكثرة التي تأخذ الأنفاس للمخلوقات في السموات الأرض، ثم انظر ثانية إلى كثرة العوالم الموجودة فيها التي تشكل أنواعها، ثم انظر كرة ثالثة إلى الكثرة المدهشة في جزئيات كل مخلوق فإنها تدل على الحكمة والخبرة البديعة على صورة تشعر العالم المدقق المتخصص فيها بأنه ضائع صغير عاجز أمام إعجازها، ثم انظر رابعة إلى التوازن الذي يشكله خلق كل نوع مع الأنواع الأخرى من عوالم المخلوقات..
وهذه الكثرة المدهشة للأدلة تدل على احتياج المخلوقات الضروري إلى وجود خالق حكيم مدبر لطيف خبير، فكل ذرة في الكون، وكل تركيب لهذه الذرات تدل على ضرورة وجود خالق واحد مدبر.. {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر:64]
هنا نستطيع أن نقول للملحد: تظن نفسك لا تحتاج إلى دليل على إلحادك.. فكيف تصنع أمام هذه الأدلة الجارفة.. إنك بحاجة لإظهار صدق نفيك إلى جواب صادقٍ غير مراوغٍ عن هذا السيل الجرار من الأدلة المدهشة، وهنا تدرك لماذا ختم الله تلك الآية في سورة يونس –عليه السلام- بقوله: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].