أنسام السكينة
29 سبتمبر، 2021
669
الإنسان يشعر بالاطمئنان والأمان إلى إعانة الرحمن عند قراءته لقوله -تعالى ذكره- {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، حيث بين له قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] المقام الذي يؤدي به وظيفته الحيوية، وهي وظيفة العبادة لتحقيق السيادة والسعادة، وبين له قوله تعالى {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مقام الوسيلة لتحقيق تلك الوظيفة النبيلة، وبعد أن عرف وسيلة عبادته بقي له أن يطمئن لتكون عبادته مقبولة صحيحة؛ إذ إنك ترى أن لكل الأمم كالبوذيين والهندوس واليهود نظامًا عباديًا.. فأيهم صاحب العبادة الصحيحة؟ ومَن هو الذي يجسد الحق في نظامه العبادي؟
تجيبك (الفاتحة) بأن يكون ذلك بسلوك السبيل السوي المستقيم غير المنحرف ولا المائل، حيث يتم تحقيق مقام الوظيفة العبادية على الوجه الأمثل، وهناك يحق له أن يقول لمن زاغ من البشرية واخترع لنفسه العبادات المبتدعة وغوى {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه: 135].
ربما أتاك الكثير من الإعجاب بهذه العواصم التي أنزلها الله -تقدست أسماؤه- ليحمي المسلمين من الانحراف والضلال، والانجراف وسقيم الخيال، وذلك ليحافظ على الإسلام من التغيير والاختراع الذي تورط فيه أتباع أنبياء سابقين.. إن الإسلام يمنع أتباعه من أن يخترعوا عباداتٍ من عند أنفسهم يستبدلون بها دين الله. إن العبادة المطلوبة هي التي تكون على الصراط المستقيم الذي سار عليه الـمُنعَم عليهم، لا وفق عبادة المغضوب عليهم ولا الضالين..
انظر إلى هاتين الآيتين المعجزتين كيف حفظتا الإسلام، وعصمتا المسيرة العبادية من الأديان المنحرفة خارج الإسلام من جهة، ومن البدع المضلة التي يمكن أن تُخترع داخل الإسلام من جهة أخرى، فالهداية إلى الصراط المستقيم تكون في كل شأنٍ من شؤون الحياة، والصراط المستقيم هو الوسط العدل الخيار، وهو الدين القيم، والإنسان يكون مهتديًا بالدخول في الإسلام، ولكنه مُعَرَّضٌ للانحراف إلى طرفي الغلو والجفاء بعيدًا عن الصراط المستقيم إن لم يجد هدايةً من ربه في كل أفكاره وقراراته الدينية والدنيوية، وعلى هذا فالإنسان محتاجٌ إلى هداية الرحمن في كل جزئيةٍ من جزئيات الحياة:
إني إليك مدى الأنفاس محتاجُ * * لو كان في مفرقي الإكليلُ والتاجُ
يقرأ القارئ قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فربما أثار ذلك عنده تساؤلات: كيف نعرف العبادة الحقة، وما سبيلها؟ وهل سار فيها سائرٌ من قبل؟ وكيف نتوقى تزييف الشيطان لما يُسَمَّى عبادةً؟
فلا تتركه أنوار الفاتحة حائرًا، ولا سائرًا بغير هدى، بل يبين الله تعالى له الوجه الأمثل الذي يكشف العبادة الحقيقية، وهو الوجه الـمُتَّصِفُ بثلاث صفات:
الصفة الأولى
أن يكون الأداء باستقامةٍ دون اعوجاجٍ بأن يكون على الطريقة ذاتها التي سار عليها الـمُنعَم عليهم من قبل {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6، 7].
الصفة الثانية
ألا يكون على طريق المغضوب عليهم بأن يؤدي إلى غضب الله الذي يكون مبعثه العناد واللجاج {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7].
الصفة الثالثة
ألا يكون على طريق الضالين التائهين بأن يؤدي إلى ضلالةٍ تـَجُرُّ صاحبَها إلى السقوط والهلاك والشقاء، أو الرعونة والاعتداء {وَلَا الضَّالِّينَ}.