المقالات

العدد وتعدد الزوجات: حكم وأسرار

أ. د. عبد السلام المجيدي

لماذا أتى القرآن بالعدد بهذه الهيئة المميزة {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]؟
لعل هذا التعبير القرآني يستدعي الانتباه من قارئه في لفظه ومعناه، وكأنه يريد منه أن يتوقف عنده ليتأمله، ولكن السؤال المهم ما سر التعبير بهذه الكيفية؟

إن معنى صيغة {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} اثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا، وهذه الصيغة تحقق عدة أمور تشريعية تنظيمية في موضوع تعدد الزوجات:
الأمر الأول: الحث على التعدد باعتباره يقدم حلًّا لمشكلةٍ ما لليتامى من جهة، وللنساء من جهة ثانية، وللرجال من جهة ثالثة، وللإنسانية من جهة رابعة، وإذا كان الزواج ولو ضمن إطار التعدد يقدم حلًا لمشكلة ما فمن باب أولى الزواج مطلقًا، وهذه الصيغة تحل محل كلام كثير طويل، والتقدير: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، إما مثنى، وإما ثلاث، وإما رباع إن أمنتم الجور من أنفسكم فيما يجب لهن عليكم.

الأمر الثاني: ليبين الله -تعالى ذكرُه- أن المراد التخيير بين هذه الأعداد حسب الحاجة والواقع، وليس المراد الجمع لأنه لو أراد الجمع لقال: تسعا، فالواو هنا لا تعني لغة جواز الجمع بين أنواع العدد المذكور حتى لا يظن أحد أنه يجوز التزوج بتسع نساء أو ثماني عشرة، فهذا غلط فاحش لا يقوله من يعرف اللغة العربية؛ فإنك لو قلت: اقسم هذا المبلغ بين الناس درهمين درهمين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا لا يعني أن تقسمه بينهم تسعة أو ثمانية عشر.

الأمر الثالث: لتفهمنا جواز التبديل ضمن العدد المحدد، فلو قال: فانكحوا ثنتين وثلاثًا وأربعًا لأفهم أنه لا يجوز التبديل بينهن في حال طلقت واحدة منهن أو ماتت.

الأمر الرابع: لتفهمنا تعميم التزويج للنساء، وعدم تركهن عوانس، وبذا يتم حل مشكلة العنوسة، فمعنى قوله {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]أي لتكن النساء بينكم في الزواج اثنتين اثنتين، أو ثلاثًا ثلاثًا، أو أربعًا أربعًا، وذلك لتستطيعوا القيام بحقوقهن ورعايتهن، فلو قال: ثنتين وثلاثًا وأربعًا لأفهم الاكتفاء بوجود ذلك لا باقتسام الزواج منهن، ومثاله لوْ قُلْتَ لِلْجَمْعِ: اقْتَسَمُوا المَالَ الكَثِيرَ دِرْهَمَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الكَلَامُ، فَإِذَا قُلْتَ: دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وثلاثة ثلاثة كَانَ المَعْنَى أَنَّ يتم تقسيم المال على الكل بأن يأخذ بعضهم: درهمين، وبعضهم ثلاثة حتى النفاد، وهذا أشار إليه عدد من المفسرين.

الأمر الخامس: لبيان اختلاف الرجال في قدرتهم المالية والجسدية، فبعضهم يمكنه نكاح اثنتين، وبعضهم يمكنه نكاح ثلاث، وبعضهم يمكنه نكاح أربع.

الأمر السادس: لتفهمنا جواز الإكمال حال النقص عن العدد المذكور، كأن يتزوج أحدهم اثنتين ثم طلقت إحداهما أو ماتت، يجوز أن يكمل ثانية وثالثة، فلو كان قال: (أو) فقد يفهم منه المنع.
وهكذا ظهر: لِمَ اختار الله العَطْف بِالوَاوِ دُونَ «أَوْ».
فأي جمال احتواه اللفظ وأي كمال أبان عنه المعنى، فليتدبر المؤمنون وليعتبر المستبصرون.