المقالات

الإحكام البديع في سياق آيتي “الشفاعــة والتحية” في سورة النساء

أ.د/ عبد السلام المجيدي

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 85، 86]

لعلك تسأل ما الإحكام البديع لآيات القرآن المجيد في هذا الموضع؟

أيها المتدبر للقرآن أليست قصة رائعة أن تدرك هذا الاتصال المحكم لموضوعي الشفاعة والتحية بالجو العام المحيط بهما في السورة؟

لعلك تشتاق بإعجاب إلى إدراك الصلة الوثيقة لذكر الشفاعة والتحية في سياق الكلام عن مبدأ السلام الأمن الداخلي والسلام العالمي، فتأمل المسألة معي:

لقد ذكر الله قبل هاتين القضيتين كلامًا عن أخذ الحذر وإنقاذ المستضعفين وكف اليد، وضرورة القتال عندما يُكتَبُ، أي: عندما يجب القيام به، ثم أنبأك عن أهمية طاعة القيادة النبوية، وحال المتلاعبين الذين يظهرون الطاعة للقيادة النبوية وهم يتآمرون ضد أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرك كيف تتعامل مع الشائعات في مجالي الأمن والخوف، وحرض النبي صلى الله عليه وسلم على القتال عندما يجب ولو كان منفردًا.. هنا جاءت مسألة الشفاعة، وجاءت قضية التحية..

دعنا ننظر ما بعد ذلك: لقد جاء الكلام عن كيفية التعامل مع العالم بناء على كف الأيدي وإلقاء السلم وهجرة المسلمين لديار المحاربين الوثنيين في مكة، ثم يذكر الله بعد ذلك حرمة الدماء، وحرمة قتل الآخرين ما داموا ألقوا السلام أو السلم أو الإسلام.

فهذا المقصد الأصلي من إيرادها بدلالة السياق، ثم يدخل بعد ذلك قضايا التحية التي يذكرها علماؤنا في كتبهم لكن دون إغفال للسياق الأصلي الذي وردت فيه التحية في هذه السورة.

وعند الشعور بالوصول إلى هذا المعنى يجد المرء المدى الضخم لظهور الكتاب المجيد مفصلًا حسب الإحكام الحق، ولا يملك إلا أن يردد قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].